في قلب بغداد: استكشاف الأزقة القديمة والمقاهي الثقافية
- تاريخ النشر: الجمعة، 14 فبراير 2025

تمتلك بغداد روحًا نابضة بالحياة تختبئ بين أزقتها القديمة وأسواقها العريقة، حيث تختلط رائحة القهوة مع عبق التاريخ، وتتناغم أصوات الحرفيين مع ألحان الشعراء والمثقفين. هذه المدينة التي كانت يومًا مركزًا للعلوم والفنون، لا تزال تحافظ على جزء من تراثها في أحيائها التقليدية ومقاهيها الثقافية التي تحمل ذاكرة الزمن. التجول في هذه الأزقة ليس مجرد رحلة عبر المكان، بل هو استكشاف لعراقة بغداد وروحها الأصيلة.
الأزقة القديمة: حكايات محفورة في الجدران
عند التجول في أزقة بغداد القديمة، يجد الزائر نفسه وسط مشاهد تروي حكايات من قرون مضت. الشوارع الضيقة المرصوفة بالحجارة تحيط بها بيوت ذات شرفات خشبية مزخرفة، تحمل بين جدرانها ذكريات العائلات البغدادية العريقة. في بعض الأزقة، ما زالت الورش التقليدية تعج بالحياة، حيث يعمل الحرفيون في صناعة النحاس، السجاد، والخزف، كما لو أن الزمن لم يتغير.
وتقودك هذه الأزقة إلى معالم تاريخية بارزة مثل شارع الرشيد وسوق السراي، حيث تصطف المكتبات القديمة التي كانت يومًا ملتقى الأدباء والمثقفين. هنا، يمكنك العثور على مخطوطات نادرة وكتب قديمة، وكأنك دخلت إلى متحف مفتوح يحمل بصمات العصر الذهبي للحضارة الإسلامية.
المقاهي الثقافية: ملتقى الأدباء والفنانين
لطالما كانت المقاهي في بغداد أكثر من مجرد أماكن لشرب القهوة، فهي فضاءات للحوار والنقاش والتعبير عن الفكر والإبداع. من بين أشهر المقاهي، مقهى الشابندر في شارع المتنبي، الذي يحمل في طياته ذاكرة بغداد الأدبية. يجتمع فيه الأدباء والشعراء لتبادل الأفكار والاستمتاع بأجواء مفعمة بالتاريخ والثقافة.
تتميز هذه المقاهي بجدرانها المزينة بصور الشخصيات الأدبية والسياسية التي مرت عليها، وأرفف الكتب التي تحكي عن مراحل تطور الفكر العراقي. كما تُقام فيها أمسيات شعرية ونقاشات ثقافية، مما يجعلها مقصدًا لمحبي الأدب والفن.
إلى جانب الأزقة والمقاهي، لا يمكن زيارة بغداد دون المرور بأسواقها القديمة، التي ما زالت تحافظ على طابعها التراثي رغم تغير الزمن. سوق المتنبي هو القلب النابض للثقافة البغدادية، حيث تعرض الكتب بمختلف أنواعها على الأرصفة، وتنتشر الأكشاك التي تبيع اللوحات الفنية والخطوط العربية المرسومة بإتقان.
كما يحتضن سوق السراي وسوق الصفافير منتجات تقليدية مصنوعة يدويًا، من التحف النحاسية إلى السجاد اليدوي، حيث يتردد صدى ضربات الحرفيين على المعادن، ليضيف إلى المشهد نغمة موسيقية من الماضي. كل زاوية من هذه الأسواق تحمل قصة، وكل متجر هو جزء من تاريخ المدينة العريق.
لا تزال بغداد تحتفظ بسحرها الفريد الذي يمزج بين التراث والحداثة، حيث تتناغم أزقتها العتيقة مع مقاهيها الثقافية وأسواقها المليئة بالحياة. زيارة هذه المدينة ليست مجرد رحلة سياحية، بل هي تجربة غنية تفتح أبواب الماضي وتمنحك لمحة عن روحها المتجددة. في كل ركن من أركان بغداد، هناك قصة تستحق أن تُروى، ومشهد يحمل عبق التاريخ وروح المستقبل.