داخل الأزقة الحجرية في تونس: رحلة عبر التاريخ والثقافة
- تاريخ النشر: الإثنين، 17 فبراير 2025

تعد الأزقة الحجرية في تونس من المعالم التي تعكس عمق التاريخ والتراث الثقافي الذي شهدته هذه البلاد عبر العصور. فهي ليست مجرد ممرات ضيقة ومباني قديمة، بل هي صفحات حية من التاريخ، تحمل بين طياتها قصصًا وشهادات عن مختلف الحضارات التي مرت على تونس، بدءًا من الفينيقيين وصولاً إلى العهد الاستعماري الفرنسي. في هذا المقال، سنأخذك في جولة داخل هذه الأزقة التي تروي تاريخًا طويلًا، نكتشف من خلالها جمال العمارة التونسية وحياة أهلها عبر العصور.
المدينة العتيقة في تونس العاصمة: معمار يروي الحكايات
تعتبر المدينة العتيقة في تونس العاصمة واحدة من أقدم المناطق التي تضم الأزقة الحجرية في البلاد. بُنيت هذه المدينة في العصور الإسلامية وتتميز بشوارعها الضيقة والمبلطة بالحجر والتي تلتف حول مساجد وأسواق قديمة. كل زاوية من زوايا هذه المدينة تحمل تاريخًا عميقًا، حيث كانت معبرًا للحضارات المختلفة مثل الفينيقية والرومانية والعربية الإسلامية. تتميز هذه الأزقة بوجود العديد من المعالم التاريخية مثل جامع الزيتونة، الذي يعد من أعرق المساجد في العالم الإسلامي، والعديد من المدارس القديمة التي أسهمت في نشر العلم والثقافة في المنطقة.
عند التجول في أزقة المدينة العتيقة، يشعر الزائر وكأنه يعود في الزمن إلى عصور مضت. كل جدار وكل نافذة تحمل بصمات الماضي، بينما تعكس المحلات التجارية الصغيرة التي تعرض المصنوعات اليدوية والمشغولات النحاسية والجلدية جمال الثقافة التونسية المتجددة. الأزقة الحجرية في المدينة العتيقة ليست مجرد ممرات تاريخية، بل هي نقطة انطلاق لفهم عراقة وتاريخ تونس وثقافتها المتنوعة.
بعيدًا عن العاصمة، تأتي مدينة سوسة، التي تقع على الساحل الشرقي للبلاد، كإحدى المدن التي تتمتع بأزقة حجرية تعكس تاريخًا طويلًا من التفاعلات الثقافية. تحتوي سوسة على العديد من المواقع التاريخية مثل الأسوار الرومانية القديمة والآثار الإسلامية. هناك، يمكن للزوار السير عبر شوارع ضيقة مغطاة بالحجارة القديمة التي تروي قصصًا عن التجارة التي كانت تمر عبر هذه المدينة كمركز مهم في العصور الإسلامية.
أما مدينة القيروان، فتمثل رمزًا آخر من رموز الثقافة التونسية العريقة. تشتهر هذه المدينة بجوها الروحاني وأزقتها الهادئة التي تحيط بالمساجد التاريخية مثل جامع القيروان. تأسست المدينة في القرن السابع على يد عقبة بن نافع، وأصبحت معقلًا هامًا للثقافة الإسلامية في شمال أفريقيا. لا يزال الزائرون اليوم يتجولون في أزقتها الحجرية الضيقة التي تُظهر تأثيرات عربية وأندلسية. تُمثل القيروان بوتقةً لتمازج الحضارات العربية مع الحضارات المغاربية التي مرت عليها عبر التاريخ.
لا تقتصر الأزقة الحجرية في تونس على المدن الكبرى فحسب، بل تمتد لتشمل القرى الصغيرة والبلدات ذات الطابع التقليدي. في العديد من هذه المناطق، لا تزال الأزقة ضيقة ومتعرجة، مما يجعلها مثالية للتنقل سيرًا على الأقدام، حيث يحيط بها الجدران القديمة التي تعكس الصمت والهدوء. تحيط بهذه الأزقة بيوت تقليدية مزخرفة بلمسات فنية رائعة، وقد اعتاد أهلها على العيش في هذه المساحات المحدودة التي توفر لهم أجواءً من الدفء الاجتماعي والترابط العائلي.
إن التجول في الأزقة الحجرية في تونس لا يُعد فقط رحلة عبر التاريخ، بل هو أيضًا فرصة للاحتكاك بالحياة اليومية للسكان المحليين. في هذه الأزقة، يلتقي الزائرون بالتجار والحرفيين الذين لا يزالون يمارسون مهنًا قديمة مثل صناعة السجاد والنحت على الخشب. كل زاوية من زوايا هذه الأزقة تجسد طريقة حياة كانت سائدة منذ قرون، ولا تزال تنبض بالحياة حتى اليوم.
إن الأزقة الحجرية في تونس تمثل ليس فقط تاريخًا طويلًا من الحضارات التي تعاقبت على هذه الأرض، بل هي أيضًا رمز للتنوع الثقافي والتراث المعماري الذي يعكس هوية الشعب التونسي.