أشهر الأحياء القديمة في الإسكندرية

الإسكندرية، التي أُسست على يد الإسكندر الأكبر عام 331 قبل الميلاد، تزخر بأحياء قديمة تشهد على التنوع الثقافي والحضاري الذي مر بها على مدار القرون. هذه الأحياء ليست مجرد أماكن سكنية، بل هي ذاكرة حيّة تحكي قصص الإغريق والرومان والعثمانيين، مروراً بالحكم الإسلامي وحتى العصر الحديث. يجمع كل حي من أحياء الإسكندرية القديمة بين عبق الماضي وأصالة الحاضر، ليُكوّن فسيفساء فريدة تعبّر عن روح المدينة.

حي المنشية: قلب التجارة والتاريخ السياسي

يُعد حي المنشية من أقدم وأشهر أحياء الإسكندرية، إذ كان في الماضي مركزاً للحياة السياسية والتجارية في المدينة. يعود تاريخ الحي إلى العهد العثماني، وكان يتمتع بمكانة خاصة نظراً لاحتوائه على ميدان المنشية الذي شهد أحداثاً هامة، أبرزها إلقاء الرئيس جمال عبد الناصر خطابه الشهير بعد محاولة اغتياله عام 1954. يحتضن الحي العديد من المباني ذات الطراز المعماري الإيطالي والفرنسي، ما يعكس تأثير الجاليات الأجنبية التي استقرت في المدينة في القرن التاسع عشر.

من أشهر المعالم في المنشية "محطة الرمل" التي تُعد نقطة انطلاق للترام، و"سوق المنشية" الشهير الذي لا يزال ينبض بالحياة، حيث يمكن للزائرين العثور على كل شيء من الملابس إلى التحف والتوابل. ورغم التطور العمراني، لا تزال المنشية تحتفظ بجوهرها التراثي، وتعد مثالاً حياً على اندماج الثقافات في الإسكندرية.

حي العطارين: مركز التجارة القديمة وعشق الكتب

حي العطارين هو أحد الأحياء العريقة التي ارتبط اسمها بالتجارة، وخاصة تجارة العطور والبهارات. كان هذا الحي مقصداً للتجار القادمين من مختلف أنحاء العالم، إذ اشتهر بمتاجره التي تقدم تشكيلة واسعة من المنتجات الشرقية والعطور الفاخرة. ومع مرور الزمن، تحول الحي ليصبح وجهة لمحبي الكتب والتحف، حيث تنتشر محلات بيع الكتب القديمة والمخطوطات النادرة التي تستقطب القرّاء والباحثين.

إلى جانب ذلك، يضم حي العطارين عدداً من المساجد القديمة التي تعكس الطابع الإسلامي للمدينة، مثل مسجد العطارين الذي يعود إلى العصر الفاطمي. الحي اليوم هو نموذج للاندماج بين الماضي والحاضر، إذ يحتفظ بجاذبيته القديمة، في حين يستمر في استقبال زوّار يبحثون عن عبق الزمن الماضي.

حي بحري: تاريخ مرتبط بالبحر ومزيج من الثقافات

حي بحري، أو كما يُعرف أيضاً بـ"الأنفوشي"، يُعد من أبرز أحياء الإسكندرية القديمة ذات الصلة الوثيقة بالبحر. كان الحي منذ نشأته مركزاً للصيادين والتجار، وما زال حتى اليوم يتميز بأجوائه البحرية التي تتجلى في سوق الأسماك الشهير والمقاهي المنتشرة على طول الكورنيش. هذا الحي يتمتع بطابع شعبي، حيث يلتقي فيه سكان المدينة والسياح الذين يبحثون عن تجربة أصيلة تعكس الحياة اليومية في الإسكندرية.

من أهم معالم حي بحري قلعة قايتباي، التي بُنيت في القرن الخامس عشر على أنقاض منارة الإسكندرية القديمة. إلى جانب القلعة، يوجد "الميناء الشرقي"، الذي يُعد من أقدم الموانئ في مصر، و"جامع المرسي أبو العباس"، أحد أشهر المساجد في المدينة، ما يجعل الحي وجهة سياحية وثقافية مميزة.

تجمع الأحياء القديمة في الإسكندرية بين التاريخ والحداثة، حيث تستمر هذه المناطق في أداء دورها كمراكز ثقافية وتجارية، رغم التغيرات التي شهدتها المدينة عبر الزمن. من المنشية إلى العطارين وصولاً إلى بحري، تعبّر هذه الأحياء عن التنوع الثقافي الذي ميز الإسكندرية عبر العصور. يظل كل حي من هذه الأحياء شاهداً على حكايات إنسانية وتاريخية، ما يجعلها أماكن لا تُنسى في ذاكرة المدينة ووجهات لا غنى عنها لكل من يرغب في استكشاف روح الإسكندرية الحقيقية.