مدينة فاس: إثنا عشر قرنا من الأمجاد
مدينة فاس هي العاصمة العلمية والروحية للمملكة المغربية، تعرف بمدينة الإثني عشر قرنا، حيث احتفلت سنة 2008 بمضي 1200 سنة على تأسيسها. عرفت تاريخياً بقيمتها الثقافية والدينية والحضارية، وتمثل أزقتها الضيقة وأبوابها وقصورها العريقة نوعاً فريداً من أنواع المعمار العربي الإسلامي، وتروي لنا جزءاً من تاريخ هذه المدينة العتيقة.
أهم المعالم الحضارية والعلمية و التاريخية في مدينة فاس
تحتضن مدينة فاس العتيقة معالم أثرية، وبنايات عتيقة تشهد على عصور المجد التي عاشتها المدينة في العصور السابقة، ومن أهم هذه الآثار نجد الأسوار المحيطة بالمدينة، إضافة إلى الأبواب والقصور والسقايات والأبراج، فضلاً عن المساجد والأضرحة والمدارس العتيقة، التي حافظت على جماليتها وطابعها رغم مرور قرون كثيرة على تشييد معظمها.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
التنوع العمراني الذي تزخر به مدينة فاس راجع إلى تعاقب عدة دول على حكمها، مما جعلها تستفيد من تفاني ملوك هذه الدول في تجميلها وتزويدها بكل المرافق الاجتماعية والدينية والاقتصادية التي يحتاج إليها السكان، بالإضافة إلى العلاقة الوطيدة بين فاس كحاضرة إسلامية بالأندلس ودول شمال إفريقيا، ما جعلها تستفيد من مهارة الصناع الوافدين إليها من قرطبة والقيروان.
صنفها موقع أديوسو (Adioso) العالمي المتخصص في السياحة والأسفار المركز السادس ضمن لائحة أكثر المدن الرومانسية في العالم، متفوقة على باريس الفرنسية. وصنفت مدينة فاس القديمة ضمن قائمة أفضل 15 وجهة سياحية في العالم، إذ احتلت المرتبة 11 حسب تصنيف تابع لشركة لونلي بلانيت (Lonelyplanet)، متفوقة بذلك على لشبونة ومونتي كارلو وباريس.
أشهر وأبرز الأماكن السياحية في مدينة فاس
جامع القرويين
بنته أم البنين فاطمة بنت محمد الفهري عام 245هـ/ 859 م، يضم مسجدا للعبادة وجامعة ومكتبة شهيرة حيث عُدت الجامعة هي الأولى في العالم، وكانت سبقت جامعتي الزيتونة والأزهر وجامعات أوروبا، حيث تم تأسيسها سنة 859م، ودرس فيها الكيمياء والحساب والفلك إلى جانب الدين، كما اشتهرت بعدد العلماء الذين تخرجوا منها من شتى بقاع الأرض، وبلغ إشعاعها العالم ككل. أما مكتبة القرويين فقد لعبت دوراً مهما في تنمية الحياة الفكرية بفاس، وجذبت إلى جانب جامعة القرويين مؤرخين وعلماء أجلاء كابن خلدون، لسان الدين ابن الخطيب، ابن بطوطة، ابن البناء المراكشي، ابن رشد السبتي، ابن العربي وغيرهم من الأطباء والفلاسفة، فضلا عن سيلفستر الثاني الذي شغل منصب البابا عام 999م.
جامع الأندلسيين
بنته مريم أخت فاطمة الفهرية عام 246-247هـ الموافق لـ 859-860م، وعرف إضافات وإصلاحات في العهد المريني والعهد العلوي أيام السلطان المولى إسماعيل، يعود تصميمه الحالي في مجمله إلى فترة حكم الناصر الموحدي. سمي بهذا الإسم لأن جماعة من أهل الأندلس كانوا يعيشون حوله وأنفقوا على بنائه، ويعد ثاني أكبر وأقدم مسجد بفاس، صومعته تشبه إلى حد كبير صومعة مسجد القرويين، ويتميز بابه ببراعة في الهندسة كما يفوق ارتفاعه أسقف الجامع.
المدرسة البوعنانية
أسسها السلطان المريني أبو عنان فارس ما بين 1350-1355م، تقع في زقاق الطالعة الكبرى قرب باب بوجلود، وتعتبر صرحاً تاريخياً وحضارياً شامخاً بمدينة فاس. كانت من أشهر مدارس فاس والمغرب، تضم كتابات ونقوش على الخشب والجبس، تجسد روعة فن المعمار المريني، وزخارف فسيفسائية وأرضيات رخامية، وواحدة من أروع صوامع المدينة، وتنفرد المدرسة بالمنجانة (الساعة) التي كانت تشتغل بالماء، لكن طريقة اشتغالها ظلت مجهولة لحد الآن، إلا أنها تعتبر تحفة فنية ومعمارية.
مدرسة العطارين
شيدها الأمير أبو سعيد عثمان سنة 723هـ/ 1323م عند مدخل سوق العطارين الذي حملت اسمه. تتألف من صحن مكشوف به حوض ماء، تحيط به قاعة للصلاة وصالات معدة لاستقبال الطلاب والأساتذة، وتلقى عالم الرياضيات ابن البناء تعليمه فيها. تعد من أجمل المدارس التاريخية رغم صغر حجمها، ولها جدران وأسقف مزخرفة بالجبس والخشب والفسيفساء، تتوسط فناءها نافورة من الرخام، مما يجعل منها تحفة عمرانية بامتياز.
مدرسة الصفارين
بنيت سنة 720هـ/ 1320م على مقربة من جامع القرويين، على يد أبي يوسف يعقوب المريني، سميت بهذا الإسم لوجودها بين حوانيت المشتغلين بصناعة القدور النحاسية، حيث توجد بساحة الصفارين مقابلة لخزانة القرويين، ويتوفر مسجدها على منارة.
مدرسة الصهريج
بناها أبو الحسن بن الأمير بن أبي السعيد قرب جامع الأندلس، وكان لا يزال ولياً للعهد، ذلك سنة 722هـ/ 1321م، وبنى حولها سقاية وداراً للوضوء وفندقاً لسكن الطلبة، فأعطاها جمالية وروعة في العمران. يمتد فناؤها المستطيل الشكل المزين بحوض إلى قاعة الصلاة. ويحف بالجانبين الشمالي والجنوبي رواقان مدعمان بواسطة أعمدة متينة.
البرج الشمالي
بني هذا الحصن الذي يتواجد شمال فاس البالي سنة 1582م من طرف السعديين. هو معلمة عسكرية استعملت في السابق لمواجهة القوى العثمانية في الجزائر وحصار انتفاضات مدينة فاس، يستمد تصميمه من القلاع البرتغالية التي تعود إلى القرن 16م، وهو يحتضن حالياً متحفاً للأسلحة التقليدية.
دار الدبغ الشوارة
من أشهر مدابغ مدينة فاس، حيث تنتقل جلود البقر والماعز والغنم من المسالخ إليها مباشرة، ليتم دباغتها بمواد طبيعية أو كيميائية قصد تحويلها إلى جلود معدة للانتقال من حالتها الطبيعية إلى حقائب يدوية أو أحذية وسترات وإكسسوارات جلدية، أو منتوجات جلدية تقليدية من قبل الصناع والحرفيين.
فندق النجارين
من أشهر فنادق مدينة فاس العتيقة وأكبرها. شيد في هيأته الحالية في مطلع القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، في عهد السلطان المولى إسماعيل، يتكون من طابق سفلي وطابقين علويين و51 غرفة متوسطة الحجم، ويتميز بواجهة جميلة وضخمة. كان مركزاً ومستودعاً للسلع والبضائع النفيسة أزيد من قرنين، واستعمله الفرنسيون في عهد الحماية مخفرا للشرطة في أربعينيات القرن العشرين، ثم أقام به طلبة جامعة القرويين منذ فجر الاستقلال، ليتحول بعد مدة طويلة وترميمات جذرية إلى أول متحف متخصص في فنون وصناعة الخشب بالمغرب.
متحف البطحاء
كان عبارة عن قصر ملكي بناه السلطان المولى الحسن الأول سنة 1897م ليكون مقر إقامته واستقبالاته الصيفية، واستكمل تزيينه خلفه المولى عبد العزيز. يحتوي على حديقة غناء ذات طابع أندلسي، وممرات وقاعات وأحواض ذات طابع جذاب مزين بزخارف وزليج متناسق الأشكال والألوان. تحول سنة 1915 في عهد الحماية الفرنسية إلى متحف للفنون والعادات والتقاليد، وتبلغ مساحة المتحف حوالي الهكتار، كما يحتوي على حوالي 6000 قطعة متحفية متنوعة من مخطوطات وإسطرلابات وقطع نحاسية وخشبية وجبسيه إضافة إلى الرخاميات، المسكوكات، الحلي، الألبسة والمنسوجات، الزليج والخزف.
تضاف لهذه المعالم التاريخية مجموعة أخرى من المآثر كباب أبي الجنود (بوجلود)، مراقد المرينيين، ضريح مولاي ادريس وسيدي أحمد التيجاني، إضافة إلى باب الماكينة، ساحة الرصيف، ساحة بوجلود، الحي اليهودي الملاح، وغيرها من المدارس والمدابغ والمتاحف التي تعتبر شواهد على العصور الغابرة.
سبب تسمية مدينة فاس
أوردت المصادر التاريخية خمس روايات حول تسمية مدينة فاس، لكن الرواية الأكثر شهرة تقول باقتباس اسم المدينة من "الفأس" الذي صنع لمؤسسها من ذهب وفضة ليشارك بيديه في بنائها مع الصناع والبنائين تواضعاً منه، فسميت مدينة "فاس". إلا أن بعض المصادر نفت صحة هذه الرواية واستبعدتها، لتصبح الرواية الأقرب للواقع حول سبب تسمية مدينة "فاس" بهذا الإسم هي القائلة بأن هذا يعود إلى "الفأس" الذي عُثر عليه لما شُرع رسمياً في حفر أساساتها في مرحلة التأسيس والبناء، والذي ظل نوع المعدن الذي صنع منه مجهولاً.
التاريخ الثقافي والحضاري لمدينة فاس
أسست مدينة فاس في غرة ربيع الأول عام 192هـ/ 4 كانون الثاني/ يناير عام 808 م على يد المولى إدريس الثاني ابن ادريس الأول بن عبد الله بن حسين السبط بن علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله، وهو خليفة أبيه على رأس الدولة الإدريسية، الذي فرّ من مطاردة العباسيين للعلويين في الشرق سنة 172هـ/ 788م إلى مدينة وليلي حيث أسس دولته الفتية.
بنيت فاس لأول مرة على الضفة اليمنى لنهر فاس (عدورة الأندلس) حيث أقيم معسكر جرواوة آنذاك، وفي السنة الموالية تأسست (عدوة القرويين) على الضفة اليسرى، حيث شيد الحاكم في البداية قصراً لسكناه بدار القيطون بجانب مسجد الشرفاء التي لازالت تحمل هذا الاسم إلى اليوم. وقد اتخذ المولى إدريس هذه العدورة مقراً له، وهكذا كانت المدينة عبارة عن قسمين هما عدورة الأندلس وعدوة القرويين، ويفصل بين القسمين وادي فاس أو ما يعرف أيضا بوادي الجواهر.
تعاقب على حكم فاس عدة دول جاءت بعد الأدارسة، حيث استولى عليها المرابطون سنة 468هـ/ 1075م بقيادة يوسف بن تاشفين، الذي هدم الأسوار التي كانت تفصل بين العدوتين وبنى تحصينات عامة أحاطت بهما معا، كما وسع جامع القرويين، فأصبح بذلك الجامع الرئيسي للمدينة. فتحها بعده الموحدون بقيادة المؤمن الموحدي سنة 540هـ/ 1145م، بعد حصار دام سبعة أشهر، وقد عرفت حقبة حكمهم ازدهاراً ثقافياً ونمواً عمرانياً وسكانياً.
استطاع المرينيون فتح فاس سنة 674هـ/ 1274م على يد يعقوب بن عبد الحق المريني الذي اتخذها عاصمة إدارية لدولته، وفي نفس السنة أسست مدينة جديدة هي فاس الجديدة على مقربة من المدينة القديمة بنحو 675 متراً، وأقيم بها البلاط. عرفت فاس في عهد المرينيين بناء البروج والمدارس والقصور وتقوية الخدمات الإدارية والعسكرية، فكانت أجمل فترات المجد التي عاشتها مدينة فاس عمرانياً وثقافياً هي حقبة حكم المرينيين.
تعاقب بعد ذلك على حكمها الوطاسيون وبعدهم السعديون إلى أن قامت الدولة العلوية، حيث استطاع أول ملوكها الاستيلاء على فاس سنة 1666م، فظلت فاس مدينة ثانوية نظراً لاتخاذ السلاطين العلويين لمكناس ومراكش عواصماً لهم، ورغم ذلك فقد عرفت هذه الحاضرة تحت حكم العلويين إنجاز عدة معالم، نذكر منها على الخصوص فندق النجارين ومدرسة الشراطين وقصبة الشراردة الواقعة خارج فاس الجديد وقصر البطحاء.
سقطت فاس في أيدي المستعمر الفرنسي سنة 1912. وعرفت حقبة الاستعمار بناء قسم ثالث من المدينة وهو ما يعرف اليوم بالمدينة الجديدة أو "دار ادبيبغ" في الجنوب الغربي للمدينة، حيث عرف بطابعه الأوروبي وتخصيصه لسكنى الفرنسيين.
سكان مدينة فاس ولغتهم
يذكر موقع المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة مغربية رسمية) على الإنترنت أن عدد سكان فاس بلغ مليون و 146 ألف نسمة حسب إحصاء سنة 2014، وجاء عدد الإناث كالتالي: 578.956، بينما بلغ عدد الذكور 567.132، وشكلت نسبة فئة الشباب من 15 إلى 59 سنة %64.2 من مجموع عدد السكان، بينما بلغت نسبة السكان الذين يعانون من البطالة %19.6.
يتحدث %99.5 من سكان فاس اللهجة الدارجة المغربية، بينما يتحدث %1.7 بالتاشلحيت، و%1.5 بالتمازيغت، و%1 منهم بالتاريفيت. وتقول الإحصاءات أن %26.9 من الأشخاص المتمدرسين فوق سن العاشرة يجيدون العربية الفصحى فقط، فيما يجيد %47.3 العربية والفرنسية معاً، و%22 يجيدون العربية إضافة إلى الفرنسية والإنجليزية، و%3.9 المتبقين يجيدون لغات أخرى. فيما بلغت نسبة الأمية %26.4، حيث ترتفع في صفوف الإناث لتبلغ %34.6 مقارنة بالذكور الذين بلغت نسبة الأميين منهم %17.9.
موقع مدينة فاس المغربية
تقع فاس فوق هضبة سايس الواقعة في الوسط الشمالي للمملكة المغربية، على خط عرض 34.03 وخط الطول -5، تحدها شمالاً تلال مقدمة جبال الريف، وجنوباً سلسلة جبال الأطلس المتوسط. تتميز المنطقة بكونها تضم أراضٍ فلاحية ووديان وفرشة مائية مهمة، إضافة إلى انتشار الغابات والتلال في محيطها، وهذا ما يجعل المدينة ذات بعد استراتيجي بارز.
كما عرفت فاس تاريخياً بكونها منطقة عبور القوافل التجارية، حيث كانت تربط بين جميع جهات المغرب، إضافة أنها لعبت دوراً في التجارة بين الشمال والجنوب، فموقعها هذا، أهلها لتكون صلة وصل بين محورين طرقيين، أولهما محور غربي شرقي يربط السهول الأطلنتيكية الغربية بالمغرب الشرقي، وثانيهما محور جنوبي شمالي يوصل سجلماسة وتافيلالت وما وراءها من الصحراء الكبرى بالساحل المتوسطي.