ماذا يوجد في الصندوق الأسود بالطائرة؟
يُعد الصندوق الأسود أحد أهم المكونات التي تعتمد عليها التحقيقات في حوادث الطائرات، حيث يلعب دورًا حاسمًا في كشف الأسباب التي أدت إلى أي عطل أو كارثة جوية. وعلى الرغم من تسميته بـ"الصندوق الأسود"، إلا أنه في الواقع ليس أسود اللون؛ بل غالبًا ما يكون برتقاليًا لتسهيل العثور عليه في حال وقوع حادث. يتكوّن هذا الجهاز من تقنيات متقدمة تهدف إلى تسجيل بيانات الطائرة وأصوات قمرة القيادة، مما يجعله مرجعًا أساسيًا للخبراء الذين يحققون في أي حادث طيران.
الصندوق الأسود يتألف من قسمين رئيسيين، كل منهما يحتوي على مجموعة من التسجيلات الحيوية:
مسجل بيانات الرحلة (Flight Data Recorder - FDR):
هذا المسجل يقوم بتوثيق عدد هائل من البيانات المتعلقة بأداء الطائرة، مثل سرعة الطيران، الارتفاع، حالة المحركات، مسار الرحلة، واتجاه الرياح. يتم تسجيل هذه المعلومات على مدار الرحلة بأكملها بشكل تلقائي، مما يسمح للخبراء بفهم الظروف التشغيلية التي كانت الطائرة تمر بها قبل وقوع أي حادث. يمكن أن يصل عدد البيانات التي يتم تسجيلها إلى مئات المتغيرات التي تعكس حالة كل نظام في الطائرة تقريبًا.
مسجل صوت قمرة القيادة (Cockpit Voice Recorder - CVR):
يُسجل هذا الجزء المحادثات التي تدور بين الطيارين وأي اتصال يتم بينهم وبين برج المراقبة الجوية. إلى جانب المحادثات الصوتية، يتم تسجيل الأصوات المحيطة مثل أصوات المحركات، الإنذارات، وحتى ضجيج الطائرة. هذا النوع من التسجيلات يساعد المحققين على فهم قرارات الطاقم وتحليل ردود أفعالهم في اللحظات الحرجة قبل وقوع الحادث.
تصميم الصندوق الأسود لتحمّل أقسى الظروف
أحد الجوانب التي تجعل الصندوق الأسود مميزًا هو تصميمه المتين القادر على تحمل أقسى الظروف. يتم تصنيعه من مواد مقاومة للحرارة الشديدة والضغط العالي، حتى يصمد في حال تحطم الطائرة أو اندلاع حريق. تُجرى اختبارات مكثفة على الصناديق السوداء للتأكد من قدرتها على تحمل الصدمات القوية التي قد تصل إلى 3400 غرام من القوة. كما تم تصميمها لتكون مقاومة للماء، حيث يمكنها البقاء تحت سطح البحر على عمق يصل إلى 6000 متر لمدة تصل إلى 30 يومًا، مما يتيح وقتًا كافيًا لفرق البحث للعثور عليها.
بالإضافة إلى ذلك، تحتوي الصناديق السوداء على جهاز بث يُعرف بـ"منارة تحديد الموقع"، يرسل إشارات راديو بعد الحادث ليساعد فرق الإنقاذ في تحديد موقع الحطام. هذه الإشارة تكون فعالة لمدة 30 يومًا قبل أن ينفد طاقة البطارية، مما يجعل سرعة الاستجابة في العثور على الصندوق أمرًا بالغ الأهمية.
دور الصندوق الأسود في التحقيقات والحوادث
عندما تقع كارثة جوية، يكون الصندوق الأسود أول ما تبحث عنه فرق التحقيق لتحديد أسباب الحادث. تتم قراءة بياناته وتحليلها باستخدام برامج متخصصة، حيث يمكن لهذه البيانات أن تكشف ما إذا كان السبب متعلقًا بخطأ بشري، مشكلة تقنية، أو ظروف بيئية غير متوقعة.
بفضل الصندوق الأسود، استطاع المحققون حل العديد من الألغاز الجوية، مثل حوادث الطائرات التي كانت أسبابها غير واضحة في البداية. على سبيل المثال، ساهمت بيانات الصندوق الأسود في كشف تفاصيل مهمة في حوادث شهيرة مثل حادثة طائرة الخطوط الجوية الفرنسية (Air France Flight 447) التي سقطت في المحيط الأطلسي عام 2009، حيث أظهرت البيانات أن الطيارين واجهوا مشكلة مع أجهزة الاستشعار وقاموا برد فعل غير صحيح.
الصندوق الأسود ليس مجرد جهاز تسجيل؛ بل هو أداة حيوية تعكس تفاصيل حية من قلب الطائرة تساعد على فهم ما جرى خلال الحوادث الجوية. بفضل تصميمه المتين وتقنياته المتطورة، يلعب هذا الجهاز دورًا محوريًا في ضمان السلامة الجوية، حيث يتم استخدام نتائج التحقيقات المستندة إلى بيانات الصندوق الأسود لتحسين أنظمة الطيران ومنع تكرار الأخطاء في المستقبل. في كل رحلة، يظل هذا الجهاز صامتًا، لكنه يبقى شاهدًا دقيقًا في حالة وقوع حادث، ما يثبت أهميته في عالم الطيران الحديث.