كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على السياحة العالمية والاقتصاد؟
تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في اضطراب كبير بحركة السياحة العالمية جنبا إلى جنب تأثيرها المباشر علي إمدادات السلع الأساسية، فكلا البلدين من المصدرين الرئيسيين للطاقة والمنتجات الزراعية كما أنهما مصدرا هاما للسياح في العالم، وقد أدت هذه الاضطرابات إلى تفاقم الضغوط الحالية في أسواق السلع الأساسية في أعقاب التعافي من جائحة كوفيد 19.
حيث انتعش الطلب العالمي مع قيود العرض بعد عام 2020، ونتيجة لذلك، ازداد تقلب أسعار السلع الأساسية ووصلت أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2007.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
بالإضافة إلى الآثار الأوسع نطاقا للتضخم، يمكن أن تؤثر الاضطرابات في توريد السلع الأساسية بشدة على مجموعة واسعة من الصناعات بما في ذلك الغذاء والبناء والبتروكيماويات والنقل، وقد أجبرت المخاوف بشأن الطاقة والأمن الغذائي الكثير من الدول على تبني سياسات مخصصة لتعزيز الاكتفاء الذاتي الوطني وخفض أسعار الطاقة للمستهلكين.
ما هو التأثير قصير المدى للحرب على أسواق السلع؟
مباشرة بعد الحرب في أوكرانيا ارتفعت أسعار السلع الأساسية، لا سيما تلك التي كانت روسيا وأوكرانيا مصدرين رئيسيين لها، ووصلت بعض السلع مثل الفحم والنيكل والقمح إلى مستويات قياسية في فبراير ومارس الماضي، يعكس ارتفاع الأسعار الاضطرابات الحالية في إمدادات السلع العالمية وارتفاع تكاليف المدخلات وعلاوات المخاطر الجيوسياسية، وتأتي هذه الخطوة بعد الانتعاش القوي للطلب بعد الوباء وقيود العرض المرتبطة بالوباء والتي أدت إلى ارتفاع الأسعار.
كما يعكس التقلب الكبير في أسعار تداول السلع المخاوف بشأن التأثير الحالي والمحتمل للحرب على إنتاج السلع الأساسية وتجارتها، لا سيما تلك التي تلعب فيها روسيا وأوكرانيا دورًا رئيسيًا، فروسيا هي أكبر مصدر في العالم للقمح والحديد الخام واليورانيوم المخصب والغاز الطبيعي والبلاديوم والنيكل، ولديها حصة كبيرة من صادرات الفحم والبلاتين والنفط الخام والألمنيوم المكرر، كما تعتبر روسيا وبيلاروسيا أيضًا من الموردين المهمين للأسمدة بما في ذلك النيتروجين والبوتاس.
أما أوكرانيا فهي مصدر رئيسي للقمح والحديد الخام والذرة والشعير وأكبر مصدر في العالم لزيت عباد الشمس، كما تعتبر أكبر مصدر لغاز النيون وهو أحد المدخلات الرئيسية في تصنيع الرقائق.
تعتمد العديد من الدول على البضائع من روسيا وأوكرانيا، فأوروبا تستورد جزء كبير من طاقتها من روسيا بما في ذلك الغاز الطبيعي (35%) والنفط الخام (20%) والفحم (40%)، وتعتمد روسيا بدورها بالمثل على الاتحاد الأوروبي في صادراتها التي يذهب إليها حوالي 40% من صادراتها من النفط الخام والغاز الطبيعي.
فيما يتعلق بالإمدادات الغذائية، فإن الاقتصادات المتقدمة (مثل أستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) لا تعتمد على روسيا وأوكرانيا وهما أنفسهما من الموردين الرئيسيين للحبوب والبذور الزيتية، تعتبر اقتصادات الأسواق الناشئة الكبيرة أيضًا من المنتجين الرئيسيين للمنتجات الزراعية (مثل الأرجنتين والبرازيل والصين والهند)، ومع ذلك، فإن العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية الصغيرة تعتمد بشكل كبير على روسيا وأوكرانيا للحصول على الإمدادات الغذائية، في إفريقيا ودول أوروبا الشرقية والعديد من دول الشرق الأوسط يأتي أكثر من نصف واردات القمح من روسيا وأوكرانيا.
المواد الاستراتيجية الرئيسية التي تأثرت بالحرب الأوكرانية
1 .الطاقة
يعتمد الاقتصاد الروسي بشكل كبير على صادرات النفط والغاز، فروسيا هي ثالث أكبر مصدر للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والسعودية، قبل حرب أوكرانيا كان برميل واحد من كل 10 براميل نفط يستهلكها العالم يأتي من روسيا، لكن سوق النفط العالمي يواجه الآن أكبر اضطراب منذ سبعينيات القرن الماضي بسبب الحرب وأعلنت الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة حظراً على واردات الطاقة الروسية.
يقول الخبراء إن أسعار الطاقة ستستمر في الارتفاع خلال الحرب لأن هناك بدائل قليلة لصادرات روسيا بحوالي 5 ملايين برميل يوميًا من النفط الخام، وقال الأمين العام لمنظمة أوبك "محمد باركيندو" إن إيجاد بدائل لن يكون سهلا، وأضاف أن العالم ليس لديه القدرة على استبدال الإنتاج الروسي، وأن الناس ليس لديهم سيطرة على الأحداث الجارية والجغرافيا السياسية، وهي التي تحدد إيقاع السوق.
حتى الدول التي لا تستورد الكثير من روسيا ستتأثر، حيث يمكن أن تؤدي الإجراءات إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل عام.
2 .المواد الغذائية
تعتبر كل من روسيا وأوكرانيا مصدرين رئيسيين للمواد الغذائية، تمثل صادرات القمح والذرة من البلدين 29% و 19% من السوق العالمية على التوالي ، وفقًا لبنك جي بي مورجان، كما أن أوكرانيا هي أكبر منتج لزيت عباد الشمس في العالم تليها روسيا، ينتج البلدان 60 % من إنتاج زيت عباد الشمس العالمي.
يعتبر القمح وزيت عباد الشمس أيضًا من المواد الخام الأساسية للعديد من الأطعمة، وصل سعر القمح في سوق العقود الآجلة إلى أعلى مستوى له في 14 عامًا، في حالة إعاقة الحصاد أو المعالجة أو تقييد الصادرات، سيتعين على الدول المستوردة إيجاد مصادر بديلة للإمداد.
وقد حذر المحللون من أن تأثير الحرب على إنتاج الغذاء قد يضاعف أسعار القمح العالمية، تستورد تركيا ومصر ما يقرب من 70 % من قمحهما من روسيا وأوكرانيا، كما أن أوكرانيا هي أيضا مورد الذرة الرئيسي للصين.
وقال مدير برنامج الغذاء العالمي "ديفيد بيسلي" إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الصراع في أوكرانيا يمكن أن يكون له آثار كارثية على أفقر دول العالم، وأضاف بيسلي إن حوالي نصف واردات لبنان الغذائية تأتي من أوكرانيا، وتعتمد اليمن وسوريا وتونس وغيرها أيضًا على الحبوب الأوكرانية، وتابع قائلًا أن روسيا وأوكرانيا تحولتا من سلة خبز العالم إلى أماكن تحتاج إلى شخص آخر لتزويدهم بالخبز، وقال "لقد اتخذ الواقع منعطفا مذهلا".
3 .المعادن
تعد روسيا واحدة من أكبر موردي المعادن في العالم المستخدمة في كل شيء من علب الألمنيوم والكابلات النحاسية إلى قطع غيار السيارات، كما أنها رابع أكبر مصدر للألمنيوم في العالم وواحدة من أكبر خمسة منتجين للصلب والنيكل والبلاديوم والنحاس في العالم، وتعد أوكرانيا أيضًا منتجًا رئيسيًا للمعادن الصناعية، وفي الوقت نفسه، تمتلك حصة كبيرة من صادرات البلاديوم والبلاتين، وهذا يعني أننا قد نشهد زيادة في أسعار المواد الغذائية المعلبة والنحاس بسبب الحرب في أوكرانيا، وقال الرئيس التنفيذي لبورصة لندن للمعادن "ماثيو تشامبرلين" أن أسعار الألمنيوم والنيكل ارتفعت بنسبة 30 % منذ بداية العام.
تعد روسيا أيضًا ثالث أكبر منتج للذهب بعد أستراليا والصين، ووفقًا لمجلس الذهب العالمي، قدمت روسيا 350 طناً من الذهب العام الماضي، وقد سجل الذهب أعلى سعر له منذ أغسطس 2020 في أوائل مارس، حيث تم تداوله بأكثر من 2000 دولار للأوقية، ويرجع ذلك إلى رغبة المستثمرين في الحصول على تأمين استثمار الذهب في أوقات عدم اليقين في السوق.
كما ارتفعت معادن أخرى وسط مخاوف من تعطل سلسلة التوريد في روسيا وأوكرانيا، أفادت "رويترز" أن سعر النيكل المستخدم في صناعة بطاريات أيونات الليثيوم ارتفع بنسبة 76 % في أوائل شهر مارس، بينما وصل سعر البلاديوم (وهو محول حفاز يستخدم لخفض الانبعاثات) إلى مستوى قياسي، وقال محللون إن أي تعطل لإمدادات البلاديوم سيخلق مشاكل خطيرة لموردي السيارات.
يقول خبراء إن روسيا تمثل 38% من إنتاج البلاديوم العالمي، ومع عدم وجود مكان للتعويض عن اضطرابات الإمدادات قد يتعرض السوق لخطر الانزلاق إلى نقص حاد في الإمدادات.
4 .الغازات النادرة
تعتبر أوكرانيا من أحد الموردين الرئيسيين للغازات النبيلة عالية النقاء الكريبتون والنيون وهي مواد أساسية لتصنيع أشباه الموصلات.
وتستحوذ أوكرانيا على ما يقرب من 70% من صادرات العالم من غاز النيون عالي النقاء والذي يستخدم في الطباعة الحجرية بالليزر لصنع أنماط أشباه الموصلات، في الوقت نفسه، يأتي أكثر من 90% من غاز النيون المستخدم في صناعة الرقائق الأمريكية من أوكرانيا.
قد يؤدي أي اضطراب في سلسلة التوريد إلى تفاقم النقص في الرقائق الدقيقة، والذي يمثل بالفعل مشكلة رئيسية في عام 2021.
مع قيام روسيا بتزويد العالم بنحو 40% من البلاديوم وتزويد أوكرانيا العالم بنحو 70% من غاز النيون العالم، فمن المتوقع أن تتفاقم أزمة نقص الرقائق في حال استمرار تصاعد الصراعات العسكرية.