كعبة زرادشت: الأثر الذي يرفض البوح بأسراره
الغموض يكتنف كل تفاصيله، فلا نعرف تاريخ بنائه بدقة ولا نعرف صاحب قرار البناء. البعض يظنه معبداً للنار، وآخرون يؤمنون بأنه مقبرة لملك عظيم، فيما تعجز الأبحاث الأثرية عن الوصول إلى حقيقته.
في حلقة اليوم من برنامج "عجائب الآثار"، نروي لكم ما توصلنا إليه من معلومات حول كعبة زرادشت، الأثر الذي يرفض البوح بأسراره.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
كعبة زرادشت
في شمال غرب مدينة برسبوليس الإيرانية، وبالتحديد في المنطقة التي تعرف باسم "نقش رستم"، يقبع أثر إيراني مثير للجدل، حيث ظهرت الكثير من النظريات التي تحاول تفسير سبب بنائه والغرض منه، وفيم كان يستخدم؟
إنه الأثر المعروف باسم "كعبة زرادشت"، وهي نصب تذكاري حجري مبنى على شكل مكعب، تجمع المصادر التاريخية على أنه يرجع إلى العهد الإخميني، أي حوالي القرن الخامس قبل الميلاد.
والإخمينية هي أول إمبراطورية تنشأ في بلاد فارس، حيث كان مقرها في غرب آسيا بعدما أسسها "كورش العظيم"، وكان يدين حكامها بالزرادشتية.
وتقع "كعبة زرادشت" في قلب موقع أثري مثير للإعجاب، يحتوي على نقوش حجرية مبهرة، بالإضافة إلى اشتماله على قبور 4 من ملوك فارس محفورة في الصخر بتقنية فريدة، لم تكن سائدة في العصر الإخميني بكثرة.
ويبلغ ارتفاع هذا المكعب الحجري 12.5 متر وعرض كل جانب من جوانبه 7.25 متر، وقد تم بنائه بالأحجار الكلسية، فيما لم تُستخدم أي مادة للصق الأحجار في بناء هذا النصب، كما يحتوي على عدد من النوافذ الحجرية الكاذبة وسقف منقوش الحواف، وكان يضم يوماً باباً ثقيلاً من الأحجار الصلبة إلا أنه اختفى مع مرور الوقت.
غموض كعبة زرادشت
لازال الغموض يلتف حول تاريخ هذا النصب إلى الآن، فبالرغم من أنه معروف باسم "كعبة زرادشت" إلا أنه لا يُعرف على وجه الدقة إن كان بُني لهدف ديني محض أم كان له غرض آخر، حيث تشير العديد من المصادر إلى أن سكان بلاد فارس لم يطلقوا اسم "الكعبة" على هذا النصب إلا في القرن الخامس عشر الميلادي، ربما لأنه مكعب الشكل، وربما لأسباب أخرى نُسيت مع مرور الزمن، وهو ما يجعل لفظة "الكعبة" غير كافى لتحديد تاريخ المكان والغرض من بنائه.
نظريات تحاول كشف غموض كعبة زرادشت
أولى النظريات التي وُضعت حول سبب بناء هذا النصب، قالت إنه كان معبداً للنار التي كان يقدسها المجوس، أو ربما كان مكاناً يقام فيه الاحتفالات لتخليد الأباطرة المدفونين على بعد أمتار منه، إلا أن صغر حجم المبنى وقلة التهوية تجعل من الصعب إشعال النيران فيه، حيث تخنق أي شخص يمكن أن يتواجد في الداخل.
فيما قالت نظرية أخرى أن هذا المبنى كان بمثابة خزينة تُحفظ فيها ممتلكات وأمتعة الحكام المدفونين بالقرب من المبنى في مقابر صخرية شهيرة، إلا أن البعض يرفض هذه النظرية بحجة أن المقابر نفسها فيها أماكن كافية لوضع الأمتعة والممتلكات.
من الذي بنى هذا النصب؟
أما عن باني هذا النصب، فاختلف حوله المؤرخون أيضاً، حيث يقول البعض إن باني "كعبة زرادشت" هو "دارا الأول"، الذي كان يُطلق عليه الفرس اسم "داريوش الأول" والذي حكم في القرن الخامس قبل الميلاد.
فيما يقول رأي آخر إن باني هذا الأثر هو "أردشير الثالث"، الذي حكم في القرن الرابع قبل الميلاد، مستندين في ذلك إلى نقش عُثر عليه فوق بعض أحجار هذا المبنى لأحد الكهنة المجوس، يتحدث فيه عن الملك أردشير وما قام به من أعمال في سبيل المجوسية وحروبه مع القوى العظمى في ذلك الوقت وهم الرومان.
وبالرغم من أن البعض اعتبر هذا دليلاً على أنه مبنى ديني، إلا أن آخرون قالوا إن النقش قد يكون وضع على المبنى في وقت لاحق بعد بنائه بسنوات، أي أنه غير كاف لفك اللغز.
هل كانت كعبة زرادشت قبراً؟
ومؤخراً، رجح بعض العلماء أن يكون هذا المبنى، ما هو إلا قبر لأحد ملوك السلالة الإخمينية، حيث لاحظوا أن ملامح البناء في "كعبة زرادشت"، قريبة من الخصائص التي سردها المؤرخ اليوناني آريان والرحالة سترابون، عند وصفهما لقبر "كورش العظيم"، ما يعني أنه قد يكون قبر مؤسس الإمبراطورية الإخمينية.
في كل الأحوال، وبالرغم من كثرة النظريات التي لا تتوقف عن الظهور بين الحين والآخر، إلا أنه لم تظهر نظرية قاطعة حتى الآن، تكشف السبب الحقيقي وراء بناء هذا الأثر المحير، وكأن هذا المبنى يرفض البوح بأسراره، مستمتعاً بحالة الغموض التي يثيرها في نفس كل من يراه.