فقط في اليابان.. فاكهة بسعر المجوهرات

  • تاريخ النشر: الخميس، 01 نوفمبر 2018
مقالات ذات صلة
مهرجان الرجل العاري في اليابان.. ما الهدف منه؟
أغلى 5 أنواع فاكهة في العالم
فيديو: في كوكب اليابان.. أشياء لن تجدها ابداً في أي مكان آخر

التسوق في أحد محال الفواكه اليابانية هي تجربة جديرة بالاهتمام للزائر لأول مرة. بدلا من الأكوام غير المنظمة من المنتجات التي تباع بالوزن أو الحجم، يصادف المرء صناديق معروضة بعناية تحتوي على أربعة تفاحات أو بطيخة واحدة ملفوفة بشكل فردي فوق وسادة. بعض صالات الفاكهة الراقية والمتاجر تبيع عجائب مثل البطيخ المثلثي أو على شكل قلب.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

يتعجب السياح الأجانب كثيراً من جمال، حجم، وشكل الفاكهة اليابانية، لكنهم يندهشون أكثر من أسعارها. ويسأل الأجانب دون كلل أو ملل لماذا تعد الفاكهة اليابانية مكلفة جدا؟ وللإجابة على هذا السؤال، دعونا نبدأ مع واحد من أرقى متاجر الفاكهة الفاخرة في اليابان.

مجوهرات أم فاكهة؟

الجزء الداخلي من متجر سيمبيكيّا ”Sembikiya“ الرئيسي في نيهونباشي يقدم ملاذا من شوارع الأسفلت اللاذعة في وسط طوكيو خلال فترة بعد الظهر في شهر أغسطس/آب. بعروض أنيقة من الأواني الملونة في صناديق زجاجية مضاءة بلطف، المركز التجاري يبدو مثل متجر للمجوهرات أكثر من كونه سوق للفاكهة والأسعار تعزز هذا الانطباع. تباع حبة واحدة من البطيخ الأخضر بين ١٤٠٠٠ ين و٢١٦٠٠ ين (حوالي ١٤٠ – ٢١٥ دولار أمريكي في أسعار الصرف الحالية). عنقود واحد من عنب ”سيتو جايأنتسو“ يتألق مثل الزمرد، وبسعر ١٢٩٦٠ ين. (جميع الأسعار في هذه المقالة تشمل ضريبة الاستهلاك.)

متجر سيمبيكيّا الذي تأسس منذ ١٨٢ عاما، متخصص في صناديق وسلال الهدايا الفاخرة، والتي تمثل ٩٨٪ من المبيعات. الفاكهة المخصصة لتقديم الهدايا في هذا المستوى يجب أن تكون ناضجة تماما، لذيذة، وخالية من العيوب في المظهر.

تعد المكاتب الحكومية اليابانية وشركات الإنشاء، والشركات التجارية، والبنوك من زبائن متجر سيمبيكيّا الأكثر موثوقية. كما يعتمد المتجر بين عملائه على زبون ثري من الشرق الأوسط الذي منذ تلقيه الكانتالوب الياباني كهدية من زميل ياباني، يأتي إلى اليابان في طائرة خاصة كل شهر لشراء الفاكهة. ويصرح أوشيما اوشيو، رئيس التخطيط والتنمية في متجر سيمبيكيّا أن ”الفاكهة اليابانية الأفضل في العالم بلا أدنى شك من حيث الجودة والذوق.“

بدا المحامي البريطاني نزار محمد مذهولاً عندما دخل المتجر لإلقاء نظرة على الفاكهة. وقال ” إنها باهظة الثمن بالتأكيد، لكنني لم أر قط عنقود عنب مثل هذا وتلك الحبات الكبيرة المتجانسة تماما. أعتقد أنني سأتوقف لاحقا لأشتري لنفسي بعضا منها.“

من جهة أخرى، لم يمكن للمحامي إخفاء صدمته من سعر حبة الدراق الذي يصل إلى ٣٧٨٠ ين في المتجر. ”حتى في متجر هارودز الراقي في لندن فإنها لن تسعّر بأكثر من ٥ جنيهات (حوالي ٦٥٠ ين) للدراقة الواحدة! في سوق الجملة، يمكنك الحصول على ٣٠ حبة مقابل هذا السعر.“

يلبي متجر سيمبيكيّا الجزء الراقي من سوق الفاكهة الياباني. أما دار الفاكهة يوشيدايا ”Yoshidaya“ الذي يبعد حوالي ساعة واحدة إلى الجنوب من طوكيو بالقطار فإنه يستهدف مجموعة واسعة من المستهلكين، حيث يبيع الفواكه للاستهلاك المنزلي إلى جانب هدايا فاخرة من الفاكهة. ويقول مالك يوشيدايا هاشيموتو يوشيهيئي. ”منتجات سيمبيكيّا تأتي من سوق طوكيو المركزي بالجملة تماما مثل منتجاتنا، ولكن لديهم نهج مختلف للشراء. فنحن نقوم بفحص الصناديق المعروضة في سوق الجملة ونختار صندوقا واحدا والذي يبدو جيداً بالنسبة لنا. أما في سيمبيكيّا فيطلبون من تاجر الجملة تشكيل صندوق خاص بهم معبأ بأفضل الفواكه المختارة من حوالي ٣٠ صندوق عادي“.

الفاكهة مثل السلع الفاخرة

إن اليابانيين لديهم تاريخ طويل في التعامل مع الفاكهة على أنها ترف ورفاهية. في تقليد أطباق الكايسيكي، التي طورت بالتزامن مع مراسم تقديم الشاي، صنفت على أنها حلوة وأشير إليها بـ mizugashi (حرفيا، ”حلوة رطبة“). قيمت الكمثرى الآسيوية، العنب، وثمرة الكاكي بشكل خاص لطعمها الحلو ورائحتها العطرة. العرف المتمثل في إرسال الفاكهة الفاخرة كهدية موسمية خصوصا في نهاية السنة seibo والصيف chūgen بدأ خلال السنوات الأولى من فترة إيدو (١٦٠٣-١٨٦٨).

حتى نهاية الخمسينات كان المستهلكون اليابانيون ينظرون إلى الفاكهة كشيء مخصص للمناسبات الخاصة. لكن منذ فترة الستينات فصاعدا عندما ارتفع مستوى الدخل وتأثرت عادات الأكل بالغرب بدأت الأسر اليابانية إدراج المزيد من الفاكهة في النظام الغذائي. وحتى مع ذلك فقد كان استهلاك الفرد الياباني للفاكهة ٥٠.٩ كيلوغرام فقط في عام ٢٠١١، مقارنة مع ١١٦.١ كيلوغرام في فرنسا و١٤٩ كيلوغرام في إيطاليا (وفقا لتقديرات وزارة الزراعة والغابات ومصائد الأسماك).

يقدم الباحث ساساكي شيغيوكي من شركة تاكاساغو الدولية بعض السياق التاريخي لهذه الفجوة، موضحا أن في العصور الأولى كان عدد قليل نسبيا من الأوروبيين يحصلون على مياه شرب جيدة أو محاصيل زراعية مغذية على مدار السنة، بحيث اعتمدوا على الفاكهة باعتبارها مصدراً هاما للمياه والفيتامينات والمعادن (تاكاساغو تايمز، ٢٠٠٨). على النقيض من ذلك، في اليابان، بمناخها الرطب، توفرت المياه الصالحة للشرب. وقد ساهم ذلك إلى الميل للتعامل مع الفاكهة المزروعة على أنها ترف. هيغاشينو أكيهيرو من مكتب الصناعات التسويقية والتحويلية في وزارة الزراعة والغابات ومصائد الأسماك يتفق على أن ”الموقف الثقافي تجاه الفاكهة مختلف جدا في أوروبا، حيث ليس لديهم تقاليد تقديم الفاكهة كهدية.“

إن حجم العمليات الزراعية والبساتين هو عامل مهم في المعادلة، وفقا لهيغاشينو. في أوروبا، الزراعة الأحادية هو الاتجاه السائد، مع تركيز المزارع الكبيرة نسبيا على الزراعة المكثفة لفاكهة معينة. في فرنسا اليوم، فإن متوسط مساحة المزرعة هي حوالي ٢٩ هكتارا (اعتبارا من ٢٠١٠)، وعدد متزايد من المزارع يتجاوز ١٠٠ هكتار. العديد من من هؤلاء المزارعين يعملون على إمداد المكونات المستخدمة في النبيذ والمربى والفواكه المجففة، وغيرها من الأطعمة المحفوظة، مما يجعل المظهر الخارجي للفاكهة غير ذي أهمية إلى حد كبير.

في اليابان، اضطر المزارعون على التكيف مع الطبوغرافية المختلفة وكذلك الظروف الثقافية. مع تغطية ما يقرب من ٨٠٪ من الأرخبيل الياباني الطويل والضيق بالجبال، فإنه من الصعب الحصول على مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة. في عام ٢٠١٠، كان متوسط المزرعة اليابانية ٢.٢ هكتار فقط، وكان ٨٥٪ من مزارع الفاكهة ٢ هكتار أو أصغر. كما تتطلب زراعة الفاكهة في اليابان عمالة مكثفة، نظرا لأن الكثير من العمل يجب القيام به يدويا، والعمليات مثل التقليم تتطلب قدرا كبيرا من المهارة.

وقد وجدت العديد من المزارع في اليابان الصغيرة التي تديرها العائلة على أن الطريقة الوحيدة لجعل زراعة الفاكهة مجدية اقتصاديا هو استهداف سوق الهدايا ذات القيمة المضافة العالية، واختيار أصناف متميزة والعناية الإضافية في زراعتها. مزارعو الكانتالوب الياباني ”مسك ملون“ (نوع من الشمام ذي رائحة مسك) على سبيل المثال، يسعون إلى تحقيق أقصى قدر من رائحة الفاكهة عن طريق التخلص من جميع الحبات ما عدا حبة واحدة في النبتة.

وقد بدأت هذه الأعمال أن تظهر نتائجها في سوق السلع الفاخرة في الخارج فضلا عن الداخل. فقد وصلت قيمة بيع الصادرات اليابانية من التفاح الفاخر والكمثرى الآسيوية والدراق والفراولة والعنب، وثمرة الكاكي إلى أكثر من الضعف خلال العقد الماضي، لتصل إلى ١٨ مليار ين في عام ٢٠١٥ وفقا لهغاشينو.

بالطبع، لا يشعر الجميع بالسعادة تجاه طريقة تطور صناعة الفاكهة في اليابان. ويقول كثير من المستهلكين اليابانيين إنهم سيتقبلون بكل سرور فواكه أصغر غير متجانسة إذا كان ذلك يعني شراءها بسعر أرخص.

في يوشيدايا، بلغ سعر ٦ تفاحات فوجي مؤخرا ٨٥٠ ين، في حين بلغ سعر ٥ حبات من البرتقال ٦٠٠ ين. ولكن حتى مع هذه الأسعار المنخفضة نسبيا، لدى المستهلكين اليابانيين ميل للتعامل مع الفاكهة كمنتجات الحلوى، وليس كوجبة طعام خفيفة. يقول هاشيموتو، ”عدد غير قليل من عملائنا ترغب في شراء حبة واحدة من الفاكهة مقابل ٢٠٠ أو ٣٠٠ ين. تماما مثل طريقة الشراء الفردي للحلوى.“

المواقف المتطورة يمكن أن تمهد الطريق تدريجيا إلى فاكهة أرخص للاستهلاك اليومي. ولكن كما أشار الكاتب الفكاهي الأمريكي ديف باري في كتابه Dave Barry Does Japan في عام ١٩٩٣، الناس الذين يشترون الكانتالوب الياباني في محلات مثل سيمبيكيّا أو المتاجر ليسوا مطلعين على الصفقات.

كما يكتب، ”اليابانيون مولوعون بإعطاء الهدايا…. وفكرة إهداء الكانتالوب تستند إلى أن المتلقي سيقدر ذلك، لأنه أو لأنها يدرك ثمنها. ومع ذلك، عند تقديم هدية في اليابان، آداب السلوك تتطلب منك الاستخفاف بالهدية…. وهذا بالطبع عكسنا تماما نحن الأمريكيون في حال أهدينا حباية كانتالوب ثمنها ٧٥ دولار. حالما ينزع متلقي الكانتالوب الغلاف من حولها، فإننا سنشير بإصبعنا ونقول: ”هل لديك أي فكرة كم تكلف ثمرة الكانتالوب هذه ؟“

في النهاية، الثقافة قد تكون أكبر عامل يدعم أسعار الفاكهة الجنونية في اليابان.

(المقالة الأصلية كتبت باللغة اليابانية من قبل دوي إيمي من nippon.com ونشرت يوم ٢٤ أغسطس/آب ٢٠١٦. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: موظف يعرض الكانتالوب الياباني الفاخر في صندوق خشبي جميل في متجر سيمبيكيّا الرئيسي في نيهونباشي. الصور: كوديرا كي.)