عيد الفصح المسيحي
يحتفل مسيحيو الشرق، اليوم الأحد، بعيد الفصح، وهو من أهم وأقدس الأعياد في الديانة المسيحية، حيث يحيون فيه ذكرى قيام السيد المسيح من بين الأموات بعد صلبه، فوفقاً لكتاب العهد الجديد - الجزء الثاني من الكتاب المقدس لدى المسيحيين والذي يضم الأناجيل الأربعة- فإن المسيح عيسى بن مريم صُلب على يد الرومان في يوم الجمعة، التي تُعرف عند المسيحيين بالجمعة العظيمة، وذلك بعد أن قدمه رؤساء كهنة اليهود للحاكم الروماني بيلاطس البنطي ليُقتل بتهمة التحريض على القيصر، وفي اليوم الثالث من صلبه، أي الأحد، قام من بين الأموات.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ولعيد الفصح المسيحي عدة أسماء أخرى منها: عيد القيامة، البصخة وأحد القيامة، وهو يختلف عن عيد الفصح اليهودي، الذي يحي فيه اليهود ذكرى خروج بني إسرائيل من مصر الفرعونية.
عيد الفصح المسيحي
يُعتبر موت المسيح وقيامته، أهم حدثين في اللاهوت المسيحي وهما أساس الإيمان لدى المسيحيين، فقيامة المسيح تُعد ضماناً بأن جميع الأموات المسيحيين سيقومون مرة أخرى عند المجيء الثاني.
ويسبق عيد القيامة الصوم الكبير، حيث يصوم المسيحيون لمدة 55 يوماً، يبدأون بأسبوع الاستعداد، ثم الـ40 يوماً المقدسة التي صامها المسيح، ثم أسبوع الآلام وسبت النور.
وعُرف الصوم الكبير بهذا الاسم لأنه كبير في قدسيته ولطول عدد أيام الصيام أيضاً، ويصوم المسيحيون بالامتناع عن الطعام والشراب لفترة من الوقت مع الامتناع عن تناول اللحوم والألبان ومشتقاتها، والتقشف في المأكل عموماً، كمعنى روحي يتسق مع فكرة النسك والتخلي عن الماديات.
أما أسبوع الآلام، هو ذكرى أقدس 7 أيام لدى المسيحيين، وهي الأيام الأخيرة للسيد المسيح على الأرض قبل صلبه وموته وقيامته، وتبدأ بأحد السعف أو أحد الشعانين وهو ذكرى دخول السيد المسيح القدس، ثم أيام البصخة الثلاث، الاثنين والثلاثاء والأربعاء، وخميس العهد، وهو ذكرى العشاء الأخير بين المسيح وتلاميذه.
ويلي خميس العهد الجمعة العظيمة، وهي ذكرى صلب المسيح وموته، ثم سبت النور، وهو اليوم الذي قضاه المسيح في قبره قبل قيامته في اليوم التالي.
وخلال أسبوع الآلام، تُعلق الكنائس الستائر السوداء وتصلى صلوات التجنيز بنغمات حزينة، وتُعلق الشارات السوداء حزناً على صلب المسيح.
ومع سبت النور ينتهي أسبوع الآلام وتبدأ الأفراح، أو ما يُعرف بعيد القيامة، ومنذ فجر المسيحية، قبل 2000 عام، يتم الاحتفال بهذا العيد في يوم الأحد، كاليوم الذي قام فيه السيد المسيح من موته.
عيد الفصح الشرقي والغربي
يختلف موعد عيد الفصح بين الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي وتلك التي تتبع التقويم الغربي، ففي القرن الرابع الميلادي اتفق المسيحيون أن يعيّدوا للفصح المجيد في يوم الأحد الأول بعد اكتمال القمر التالي للاعتدال الربيعي، لكن في القرن السادس عشر الميلادي أصبح مسيحيو الغرب يتبعون التقويم "الغريغوري"، ومسيحيو الشرق يتبعون التقويم اليولياني نسبة إلى يوليوس قيصر، وهناك فرق 13 يوماً بين التقويمين.
ويأتي عيد القيامة عند الغربيين أحياناً في نفس يوم احتفال الشرقيين به، وأحياناً يأتي مبكراً عنه من أسبوع إلى 5 أسابيع على أقصى تقدير، لكنه لا يأتي متأخراً عن احتفال الشرقيين إطلاقاً.
وبشكل عام، يكون تاريخ عيد الفصح متنقلاً في كل عام، لارتباطه بدورة القمر.
تحية عيد الفصح
في عيد الفصح والـ50 يوماً المقدسة التي تليه، يُحييّ المسيحيون بعضهم البعض بعبارة "خريستوس أنيستي، أليثوس أنيستي"، وتعني بالعربية "المسيح قام حقاً قام"، وتمثل هذه التحية هتاف الفرح والنصرة بقيامة المسيح من بين الأموات.
ومن الجدير بالذكر أن كلمة "فصح" تترجم في الانجليزية إلى "Easter"، ولم تُشتق من كلمة فيساح أو بيساك، وهي الكلمات العبرية للفصح، ولكن من الاسم القديم لشهر أبريل أو أوستارا.
طقوس عيد الفصح عند المسيحيين
بخلاف الصلوات والتسابيح وتوزيع الصدقات، هناك بعض الطقوس الاجتماعية التي يحافظ عليها المسيحيون احتفالاً بعيد الفصح والتي تختلف من دولة إلى أخرى باختلاف عادات وتقاليد الشعوب.
ففي مصر على سبيل المثال يأكل المسيحيون السمك المملح، أما في المجر فيتناولون لحوم الضأن، وفي إيطاليا يصنعون كعكة حمامة عيد الفصح، وفي روسيا نجد حلويات على شكل هرمي مقلوب ومختومة.
وفي البلدان المسيحية، حيث المسيحية هي دين الدولة، أو يشكل المسيحيون عدد كبير من سكانها، غالباً ما يكون عيد الفصح عطلة رسمية، وكذلك يوم الاثنين الذي يليه.
وإلى جانب طقوس الطعام، يتبادل المسيحيون الزيارات العائلية ويتناولون غداء الفصح معاً، كما تُعلق الزينات بألوان زاهية على المتاجر والبيوت.
وعلى اختلاف العادات والتقاليد يُعتبر "البيض الملون" طقس مشترك بين مختلف البلدان والثقافات، حيث تعج المتاجر الخاصة ببيض طبيعي وغيره من الصناعي واليدوي، ويُقدم للأطفال بيض فصح مصنوع من الشكولاتة.
ويُرجع بعض الدراسين طقس تلوين البيض إلى زمن الفراعنة، حيث يرمز البيض إلى الحياة عند قدماء المصريين، لكن المسيحيين واصلوا اتباع هذا الطقس فيما بعد إشارة لكسر السيد المسيح الموت تاركاً القبر فارغاً.
وقديماً كان يتم تلوين البيض باللون الأحمر فقط رمزاً لدماء المسيح، لكن فيما بعد أصبح يُلون بأكثر من لون.
وبجانب البيض، ارتبط عيد القيامة أيضاً بالأرنب ففي عام 1682 ظهرت لعبة الأرنب حامل البيض في ألمانيا، وتُعرف بلعبة البحث عن الكنز، وتلك اللعبة لا يزال يمارسها شعب دول الشمال الإسكندنافي في الفصح متنقلين في الغابات القريبة من سكنهم مع العائلة والجيران لإمتاع الأطفال بالبحث عن الكنز الذي عادة ما يحتوي على بيض وشكولاتة مربوطة مع أرنب..
وإذا دل اختلاف وتنوع الطقوس والتقاليد في عيد القيامة، فإنه يدل على غنى الكنيسة بالثقافات والعادات والتقاليد بداخلها، كما تدل على احترام طقوس الكنيسة الثقافة المحلية المتواجدة فيها.
الـ50 يوماً المقدسة
بعد انتهاء عيد القيامة المجيد، يدخل الأقباط فترة الخماسين المقدسة، وهي أيام فرح في الكنيسة تنتهي فيها طقوس الحزن التي صاحبت ذكرى عذاب المسيح وآلامه، ووفقاً للمعتقد الكنسي فإن الخماسين هي فترة الـ50 يوماً المحصورة بين عيد الفصح وعيد الخمسين "عيد العنصرة".
وفترة الخمسين فترة فرح فلا يصوم المسيحيون فيها إطلاقاً، ويجري الطقس الكنسي فيها باللحن الفرايحي وتُنتزع الستائر السوداء التي عُلقت في الكنائس في أيام أسبوع الآلام.
ويُسمى كل يوم أحد من آحاد الخماسين المقدسة باسم مختلف، فالأحد الأول هو أحد توما تلميذ المسيح الذي تشكك في القيامة ثم عاد وآمن بها، والثاني هو أحد الحياة الأبدية، والثالث أحد السامرية، والرابع أحد نور العالم، والخامس الطريق إلى الحق والحياة، والسادس انتظار الروح القدس، والأحد السابع هو عيد العنصرة.
وفي اليوم الـ40 بعد عيد القيامة تحتفل الكنيسة بذكرى صعود السيد المسيح إلى السماء، أما عيد العنصرة أو "حلول روح القدس" فيُقصد بها حلولو الروح القدس على تلاميذ المسيح بعد صعوده إلى السماء بعشرة أيام.