عدوان يجمعهما موكب المومياوات: حكاية العداء بين حتشبسوت وتحتمس الثالث
مع انطلاق "موكب المومياوات الملكية" في رحلته التاريخية من المتحف المصري في ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة إلى المتحف القومي للحضارة في الفسطاط، لا بد من تذكر العداء الشديد الذي فرق بين اثنين من أعظم الملوك الذين مروا على مصر في حياتهما ويجمع الموكب اليوم مومياواتهما، وهما: الملكة حتشبسوت والملك تحتمس الثالث، فما قصة هذا العداء؟
الملكة حتشبسوت
واحدة من أشهر الشخصيات في تاريخ مصر القديمة، ورغم أن التقاليد المصرية كانت تمنع المراة من أن تتولى منصب الملك، إلا أن حتشبسوت أكدت أنه باعتبارها ابنة الملك تحتمس الأول وزوجة الملك تحتمس الثاني، أنها ذات دم ملكي نقي، وسرعان ما أعلنت نفسها ملكة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
كانت حتشبسوت زوجة لأخيها غير الشقيق الملك تحتمس الثاني، الذي توفي بينما كان ابنه تحتمس الثالث لا يزال طفلاً، فكانت هي الوصية على العرش والحاكم الفعلي لمصر القديمة.
ويُنسب للملكة حتشبسوت إرسال أشهر الرحلات التجارية إلى بلاد بونت، وهي صاحبة المعبد الشهير في الدير البحري والذي يعتبر معجزة معمارية بمعنى الكلمة.
وتم العثور على مومياء الملكة حتشبسوت في مقبرة وادي الملوك في الأقصر.
تحتمس الثالث
بعدما كانت مجرد واصي على العرش، أعلنت حتشبسوت نفسها ملكاً للبلاد بشكل رسمي، وهو الأمر الذي أدى إلى انحسار دور تحتمس الثالث في الحكم، ولم يتمكن من حكم أبيه إلا بعد وفاة حتشبسوت.
وكان تحتمس الثالث واحداً من الملوك المحاربين العظماء في الدولة الحديثة، وقام بسلسلة من الحملات العسكرية التي عززت موقف مصر كواحدة من القوى العظمى في العالم القديم، وتعتبر معركته الشهيرة "مجدو" نموذجاً للتخطيط الاستراتيجي العسكري.
وتم العثور على مومياء الملك تحتمس الثالث في تابوت من خشب الأرز في خبيئة الدير البحري عام 1881.
لماذا كان العداء بين حتشبسوت وتحتمس الثالث؟
بالتأكيد "الحكم" هو كلمة السر خلف العداء بين حتشبسوت وتحتمس الثالث، حيث همشته بعد وفاة أمين واستأثرت بالحكم لنفسها.
وذكر في الجزء الرابع من موسوعة "مصر القديمة"، إن تحتمس الثالث كان يكره حتشبسوت بشدة، حيث كانت تتجاهل والده تحتمس الثاني طوال حياته، واتخذت من اعتلال صحته فرصة للسيطرة على شؤون البلاد، وكان لها حزب يشد أزرها من أشراف البلاد وعظمائها، وبعد وفاة زوجها ظل الحزب يؤازها ويحثها على تولي الملك، فلم يترك تحتمس الثاني إلا طفلاً صغيراً.
ولكن حتشبسوت لم تستطع منع تتويج تحتمس الثالث على عرش البلاد، فحكم النساء لم يكن مرغوباً فيها، لكن التقاليد كانت تقبل أن تبقى الوصاية في يد الملكة حتى يكبر الصغير.
ولهذا السبب كان تحتمس الثالث يكره الملكة حتشبسوت، ويخبئ لها العداء قرابة 20 عاماً سلبت منه الحكم خلالها حتى ماتت، وقبض هو على مقاليد حكم أبيه.
وبمجرد تسلمه مقاليد الحكم، عمل تحتمس الثالث على الانتقام من أعدائه الذين كانوا يتبعون حتشبسوت، كما عمل على الانتقام من حتشبسوت نفسها بتدمير بعض تماثيلها وتهشيم آثارها ونقوشها في معبد الدير البحري.
ورغم كراهية الملك تحتمس الثالث لحتشبسوت بسبب اغتصابها ملك أبيه، إلا أن علماء الآثار يتفقون على أن فترة حكمها ونهضتها بالبلاد كانت الأساس الذي بنى عليه تحتمس الثالث دولة عظيمة سيطرت على بلاد كثيرة وأخضعت العديد من الملوك والأمراء.
رسالة مصر السياحية إلى العالم
وتشهد مصر اليوم الحدث الأضخم في عام 2021، والذي يحظى باهتمام عالمي كبير، حيث تنقل مومياوات 22 ملكاً وملكة فرعونية في رحلة من المتحف المصري في ميدان التحرير وسط العاصمة القاهرة إلى المتحف القومي للحضارة في القاهرة أيضاً.
والملوك والملكات الذين يضمهم الموكب بينهم 18 ملكاً و4 ملكات ينتمون جميعاً إلى عصر الأسرات الـ17، 18، 19 و20، وهم: الملك رمسيس الثاني، رمسيس الثالث، رمسيس الرابع، رمسيس الخامس، رمسيس السادس، رمسيس التاسع، تحتمس الثاني، تحتمس الاول، تحتمس الثالث، تحتمس الرابع، سقنن رع، حتشبسوت، أمنحتب الأول، أمنحتب الثاني، أمنحتب الثالث، أحمس نفرتاري، ميريت آمون، سبتاح، مرنبتاح، الملكة تي، سيتي الأول وسيتي الثاني.
واكتشف علماء الآثار أغلب المومياوات الملكية في خبيئتين، الأولى "خبيئة الدير البحري" غرب محافظة الأقصر في عام 1881، والثانية "مقبرة الملك أمنحتب الثاني" في وادي الملوك عام 1898.
ويحظى الموكب الملكي، بتغطية إعلامية واسعة بمشاركة وسائل الإعلام من نحو 60 دولة، بحسب تصريحات وزير السياحة والآثار المصري الدكتور خالد العناني.
ويأتي تنظيم هذا الموكب في إطار توجهات الدولة المصرية لإتمام الأنشطة الأثرية والثقافية العالمية، على نحو يتسق مع عظمة وعراقة الحضارة المصرية القديمة، ويبرز جهودها الجارية لتطوير وتحديث القاهرة وغيرها من المدن القديمة.
ويُعوّل على حدث "نقل المومياوات الملكية"، لفت نظر العالم تجاه مصر كوجهة سياحية فريدة وتحفيز السائحين من حول العالم لزيارة المقاصد الأثرية في مصر، ويُنقل الحدث بـ14 لغة من لغات الدول المصدرة للسياحة.
فالسياحة الثقافية التي يهتم خلالها السائح بزيارة المتاحف والمعابد الأثرية تأثرت كغيرها من أنواع السياحة الأخرى بتداعيات أزمة كورونا، لتجد الحكومة المصرية في هذا الحدث فرصة ذهبية للترويج للمقاصد الأثرية في مختلف أنحائها سواء في القاهرة العاصمة أو الجيزة التي تستعد لافتتاح المتحف المصري الكبير الذي يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، أو في محافظة الأقصر التي توصف بأنها متحف مفتوح يضم أكثر من ثلث آثار العالم.
وتسهم السياحة الثقافية بنسبة تزيد على 25% من إيرادات القطاع السياحي في مصر، والتي سجلت نحو 13 مليار دولار في 2019، ثم تراجعت إلى نحو 4 مليارات دولار خلال 2020 بسبب أزمة كورونا، إلا أن ثمة مطالب بالعمل على الترويج للمقاصد السياحية الأثرية بشكل أكبر لزيادة مساهمتها في الإيرادات وأعداد السائحين الزائرين لمصر.