تمثال أبو الهول: حارس الأهرامات الغامض
أثار الكثير من النظريات المتضاربة حوله، بعض العلماء يرفضون التاريخ الشائع عنه، وآخرون يزعمون أن عمره يرجع إلى 10 آلاف سنة قبل الميلاد، وأن وجهه أعيد نحته في عصر الأسرات.
في حلقة اليوم من برنامج "عجائب الآثار" نصحبكم إلى مصر في جولة معلوماتية حول تمثال "أبو الهول"، الغامض الذي يحرس الأهرامات.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
أبو الهول
لايزال تمثال "أبو الهول" الرابض أمام أهرامات الجيزة في مصر يثير التساؤلات والحيرة، ولا يكف عن استثارة العلماء للبحث خلفه وإجلاء الغموض عن خباياه، في ظل ظهور العديد من النظريات التي تقول إن المعلومات المعتمدة حول عمر أبو الهول ومن قام ببنائه غير دقيقة.
الملك المصري خفرع (2558-2532 ق.م)
الشائع عن أبي الهول أنه بُني في عصر الأسرات، وبالتحديد في عهد الملك المصري "خفرع" باني الهرم الثاني في الجيزة، والذي حكم حتى عام 2532 قبل الميلاد.
أكبر تمثال مصنوع من حجر واحد في العالم
وقد تم نحته من صخرة واحدة عملاقة من الحجر الكلسي، ويُعتقد أنه كان مُغطى بطبقة من الجص الملون عند بنائه، فيما يبلغ ارتفاعه قرابة 20 متراً من الأرض إلى قمة الرأس، وهوم ما يجعله أكبر تمثال في العالم مصنوع من حجر واحد.
ونظراً لقدم عمر التمثال فقد تغطى عبر العصور بالرمال التي كانت تخفي أغلب جسده في كثير الأحيان، وهو ما استدعى إزالة تلك الرمال عنه عدة مرات، أشهرها تلك المسجلة على "لوحة الحلم" الموضوعة بين قدميه الأماميتين، والتي تكشف قيام الملك تحتمس الرابع بإزالة الرمال عنه عقب اعتلائه عرش مصر في عام 1401 قبل الميلاد.
4500 عام عمر تمثال أبي الهول
بناء على ذلك، فإن عمر التمثال بحسب أغلبية علماء المصريات لا يزيد عن 4500 عام، إلا أن هناك رأي آخر لدى عدد محدود من علماء الآثار والجيولوجيين، يرى أن عمر أبي الهول قد يكون أقدم من ذلك بكثير، كما أنهم يرفضون القول بأن خفرع هو باني التمثال.
العالم الجيولوجي الأمريكي "روبرت تشوك"
الأستاذ في جامعة بوسطن، واحد من أولئك العلماء الذين يتبنون نظرية مختلفة عن أبي الهول، حيث جاء إلى مصر في مطلع تسعينيات القرن الماضي وأجرى على جسد التمثال اختبارات جيولوجية بهدف تحديد عمره، دفعته نتائجها إلى الاعتقاد بأن بناء أبي الهول قد يرجع إلى ما قبل عصر الأسرات بآلاف السنين وأن عمره قد يصل إلى 10 آلاف سنة قبل الميلاد!
"تشوك" قال إنه عثر على عوامل تعرية في جسد أبي الهول لا يمكن أن تحدث إلا عن طريق تساقط مياه الأمطار أو تدفق المياه، ولكن المنطقة التي يقبع فيها التمثال حالياً على حافة الصحراء كانت جافة للغاية خلال آخر 5 آلاف عام!
هذا الأمر جعل "تشوك" يعتقد في أن أبي الهول بُني خلال العصر المطيري، عندما كانت الأمطار كثيرة بالقدر الكافي لكي تترك علامات عوامل التعرية الموجودة على التمثال حالياً.
جدال حول نظرية "تشوك"
نظرية "تشوك" رُفضت من قبل الكثيرين الذين قالوا إنه لا يمكن أن يكون أبي الهول بهذا القِدم، والسبب ببساطة أن رأس التمثال منحوتة على شكل ملوك عصر الأسرات الذي لم يبدأ إلا قبل الميلاد بـ3 آلاف عام فقط.
إلا أن "تشوك" رد على هذه الحجة بقوله إن رأس تمثال أبي الهول صغيرة ولا تتناسب مع حجم الجسد، وهو ما جعله يعتقد بأن رأس التمثال تم إعادة نحتها في عصر الأسرات بعدما تعرضت لعوامل التعرية، وأن الرأس الأصلي كان رأس أسد أو على الأصح رأس أنثى أسد، أي أن تمثال أبي الهول لم يكن هو "أبو الهول" من البداية!
ولكي يُثبت "شوك" نظريته، قام بعمل اختبار حول الأرضية التي يقع عليها التمثال؛ لقياس عمق الفجوات أسفل السطح عن طريق الموجات الصوتية، زاعماً اكتشاف فجوات عميقة للغاية أسفل أرضية التمثال وهو ما يعني أن هناك مياه كثيرة ظلت تتدفق عبر هذا السطح لسنوات عدة حتى أحدثت هذه الفراغات، والتي لا يمكن حدوثها في فترة زمنية تقل عن 7 آلاف عام.
بعض الرافضين لآراء "تشوك" قالوا أنه لا يمكن أن تكون هناك حضارة بالقوة التي تستطيع بناء تمثال بحجم أبي الهول في هذا الوقت المبكر من عمر البشرية، أي قبل 10 آلاف سنة قبل الميلاد كما يزعم العالم الأمريكي.
إلا أن "تشوك" تمسك بموقفه، وقال إن هناك اكتشافات أثرية حديثة أظهرت أن حضارات مبكرة للغاية كانت موجودة قبل 12 ألف سنة من الآن، ما يعني أن مثل هذه الحضارات كانت موجودة بالفعل في هذا الوقت من عمر العالم المتحضر، ولكن نظراً لبعد المسافة الزمنية، فقد اندثرت آثارها بشكل كبير وبات من الصعب العثور عليها بسهولة.
برغم كل هذا الجدل، وبرغم الغموض الذي لايزال يحيط بتاريخ هذا التمثال المُحير، إلا أن الثابت هو أن أبي الهول سيظل دليلا دامغاً على أن حضارة عظيمة قامت على أرض مصر يوماً، وأن نحاتون أفذاذ استطاعوا أن يقدموا للبشرية كنزاً أثرياً فريداً لازال يثير دهشتنا حتى الآن.