تطور وثيقة جواز السفر عبر التاريخ
كانت البدايات الأولى لنشوء جواز السفر عندما ظهر كوثيقة تشير إلى موافقة القائد على دخول الأشخاص الغرباء إلى أراضيه، واستمر جواز السفر في التطور ليعكس الاحتياجات المجتمعية المتغيرة وأساليب العمل.
جواز السفر قبل الميلاد
منذ 445 سنة قبل الميلاد، في كتاب نحميا في العهد القديم من الكتاب المقدس، كلف نحميا بالمساعدة في إعادة بناء القدس، وللقيام بذلك تلقى نحميا رسائل من الملك، ليمنح ممرًا آمنًا لمملكة يهوذا، ويعتبر هذا أول تاريخ مسجل لمفهوم جواز السفر، (نحميا هو زعيم عبراني ظهر في القرن الخامس قبل الميلاد، ينسب إليه سفر نحميا).
كما بدأت أسرة هان الصينية منذ عام 206 قبل الميلاد، في السيطرة على حركة الدخول والخروج عبر أراضي الإمبراطورية، فأمرت بإنشاء وثيقة يدون فيها عمر الفرد وطوله وخصائصه الجسدية الأخرى لتكون بمثابة وثيقة خاصة بالفرد، حيث سيُطلب من أي شخص يرغب في التنقل عبر حدودها تقديم هذا المستند في نقاط تفتيش مختلفة.
جواز السفر في الحضارة الإسلامية
كان للحضارة الإسلامية أيضًا وجهة نظر خاصة في السبق التاريخي لجواز السفر الحديث، حيث أصدرت الخلافة الإسلامية في العصور الوسطى وثيقة براءة خاصة بالمواطنين الذين يدفعون الضرائب، وهذه الوثيقة كانت شكل من أشكال الإيصال الذي يثبت أن الفرد دفع الضرائب المترتبة عليه. وفي الواقع لا يمكن لأي شخص لا يملك مثل هذه الوثيقة السفر بين المناطق المختلفة، حيث سيُطلب من الأشخاص إبراز وثيقة البراءة هذه عند نقاط تفتيش مختلفة خلال رحلاتهم. وهذا قريب جدًا من فكرة جواز السفر الحديث لأنه يمثل بشكل فعّال وثيقة سفر رسمية، تقدمها الدولة لمواطنيها.
جواز السفر في أوروبا
وفي قارة أوروبا بدأ إصدار ما أصبح يُعرف باسم (وثائق المرور الآمن) في عهد الملك هنري الخامس في بريطانيا، خاصةً للأجانب الذين يسافرون إلى الداخل لأغراض تجارية، كما تم تزويد المواطنين أحيانًا بهذه الوثيقة، ومع ذلك كان هذا يتم عادة مقابل رسوم، كما يصف Martin Lloyd ، كان الهدف الأساسي لهذه الأنواع من الاتفاقات هو السماح للمسافرين الأجانب الذين كانوا يُعتبرون سابقًا أعداء، بالمرور من وإلى المملكة لإجراء المفاوضات.
لذلك يمكن اعتبار قانون البرلمان البريطاني هذا لعام 1414 أول إشارة مكتوبة لـ جواز السفر في التاريخ الحديث. ومع ذلك فإن أصول الكلمة متنازع عليها حتى يومنا هذا. وفي عام 1420 في فرنسا، بدأ الملك لويس الحادي عشر في إصدار الشهادات التي تسمح بالتداول الحر للبضائع، ثم توسعت لتشمل عامة الجمهور الفرنسي في عام 1464. وعلى الرغم من أن البعض يجادل بأن الأصول بريطانية من كلمة (المرور) و (الميناء) من أجل الإشارة إلى الوصول عبر الموانئ البحرية، يعتقد البعض الآخر أن الكلمة تأتي من (الميناء) الفرنسي، في إشارة إلى بوابة المدينة.
أسباب ظهور جوازات السفر
الشيء الوحيد الذي يتفق عليه المؤرخون، هو أنه تاريخيًا تم منح هذه الوثائق في البداية للأجانب، على عكس المواطنين المحليين. ثم تغيرت هذه الفكرة على مر السنين، خاصة مع زيادة هجرة الناس في السنوات التي سبقت الثورة الصناعية. وخلال هذا الوقت بدأت الحكومات في النظر إلى جوازات السفر كوسيلة لتحقيق الأمن وتحديد الهوية. ونظرًا لأن المزيد والمزيد من الناس يفكرون في الهجرة إلى دول أجنبية بحثًا عن فرص أفضل للحياة، بدأت السلطات البحث عن طريقة فعالة لإدارة ذلك.
كان السبب الرئيسي لهذا الإنجاز العملي هو التدفق الخارج عن السيطرة للأشخاص المهاجرين في أواخر القرن التاسع عشر، ولكن لم تستطع الدول مواكبة الأعداد الكبيرة للمهاجرين، وكانت فرنسا أول دولة تخفف من متطلبات جواز السفر في عام 1861 مع معظم الدول الأوروبية الأخرى التي حذت حذوها بسرعة بعد ذلك.
كان هناك أيضًا نقاش حول ضرورة الأوصاف المادية المكتوبة، حيث جادل البعض بأن هذا مهين للأفراد الذين يحملون هذه الأوصاف، ومع انتشار التصوير الفوتوغرافي في أوائل القرن العشرين، سرعان ما حلت الصور محل هذه المواصفات، حيث طُلب من المواطنين إرسال صورة من اختيارهم لاستخدامها في الوثيقة الصادرة عن الدولة، حتى أن بعض العائلات اختارت إرسال صور جماعية، والتي تم قبولها رسميًا أيضًا. وبحلول الحرب العالمية الأولى، تم الاتفاق على نطاق واسع على أن نوعًا من الوصف المادي كان مطلوبًا في جوازات السفر، ويرجع ذلك أساسًا إلى الخوف المتزايد من الجواسيس الألمان في بريطانيا.
جواز السفر في العصر الحديث
وعلى الصعيد العالمي، عادت الشكوك والمخاوف وعادت العقلية الإقليمية للظهور، حيث كافحت البلدان لتجاوز الدمار الذي خلفته الحرب، فأصبحت جوازات السفر مطلبًا للسفر الدولي بعد الحرب مباشرة، وتم اتخاذ خطوة نحو توحيد جوازات السفر الحديثة في عام 1920 من خلال عصبة الأمم. وفي عام 1947 تم وضع هذا ضمن اختصاص منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)، التي لا تزال تضع معايير جوازات السفر حتى يومنا هذا.
ومنذ عام 1947 تطورت جوازات السفر بشكل متزايد، وركزت الحكومات بشكل كبير على وجود المزيد من المعلومات في هذه الوثائق. ومع إدخال تقنية القياسات الحيوية في ماليزيا في عام 1998 أصبحت جوازات السفر الآن أكثر أمانًا وصعوبة في التزوير، وأصبحت الحكومات قادرة على توفير المزيد من المعلومات حول حامليها من خلال استخدام شريحة معالج إلكتروني مدمجة. واعتبارًا من يناير 2019 بدأت 150 دولة في إصدار جوازات سفر biometric بيومترية لمواطنيها، إن جواز السفر البيومتري هو رقاقة ممغنطة عالمية لكل جوازات السفر في دول العالم التي تعتمد هذه الجوازات، وهذه الرقاقة تحوي معلومات بكل الصفات الخاصة بصاحب الجواز، مثل بصمة العين وصورة المنطقة المحيطة بالأنف، والمنطقة المحيطة بالفم، والشفاه وخطوط الجبين، واستدارة أسفل الذقن وكل الملامح البيولوجية المتعلقة بالوجه، إضافة الى عدد كبير يكاد لا يحصى من المزايا الخاصة بصاحب الجواز. ولكن لا يمكن لاي دولة اعتماد هذه المزايا بالكامل نظراً لأن برامجها مكلفة جداً وباهظة الثمن الى درجة تعجز معها أكثر الدول ثراءً عن شرائها بمجملها ككل، لذلك فان كل دولة تعتمد بعضاً من هذه البرامج تبعاً لقدراتها المالية، وكان البرنامج الأكثر رواجاً في هذا الصدد والذي لقي ترحيباً في معظم الدول هو برنامج بصمة العين، فما أن يوضع الجواز على القارئ البصري حتى تظهر بصمة العين الحقيقية لصاحبه وتقارن مع حامله، ليتبين فوراً ما إذا كان هو نفسه من يحمل هذا الجواز أم غيره.
إذن على مر التاريخ، تطور جواز السفر من وثيقة تشير إلى موافقة القائد على دخول الأجانب إلى أراضيه، إلى وثيقة عالمية تخدم كافة المجتمعات، تكون فيه مشاركة المعلومات أمرًا بالغ الأهمية، لسلامة المجتمع العالمي. ومع التقدم التكنولوجي المتزايد، ومع تغير الاحتياجات العالمية، تم استخدام جوازات السفر لجذب المستثمرين إلى بلدان مختلفة، بهدف تعزيز اقتصاد هذه البلدان، حيث يسعى الأفراد الأثرياء غالباً إلى توسيع خياراتهم في طرق الحصول على الثروة.