تاريخ زينة رمضان: كيف أبدع المسلمون في الترحيب بالشهر الكريم؟
زينة رمضان في عهد الخلفاء الراشدين
هارون الرشيد والإكثار من المصابيح المزخرفة
زينة رمضان في عهد الدولة الفاطمية
سلاسل من النور تحيطها خيوط تحمل أوراقاً ملونة أو مثلثات من قماش الخيامية وتتخللها فوانيس مضيئة، مشهد مبهج يزين الشوارع احتفالاً باستقبال شهر رمضان في مختلف الدول العربية، وإن كان بإمكانك رؤيته كثيراً بهذا الوصف تحديداً في مصر، فما قصة نشأة زينة رمضان وتطورها؟
بمجرد استطلاع رؤية الهلال، يستعد المسلمون للاحتفال بأكثر شهور العام قدسية لديهم، ويتسابق الشباب والأطفال في الأحياء المختلفة لتزيين شوارعهم احتفالاً، في طقس يعود تاريخه إلى مئات السنين، تعال نبدأ من عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
زينة رمضان في عهد الخلفاء الراشدين
كان الخليفة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه، هو أول من أعاد جمع المسلمين لأداء صلاة التراويح -قيام الليل- في جماعة داخل المساجد خلال شهر رمضان، وهي الصلاة التي بدأت في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يواظب عليها خشية أن تُفرض على أمته فيعجزون عنها، وبعد وفاته وانقطاع الوحي لم يعد هناك داع للخوف من فرضها، فأعاد ابن الخطاب جمع الناس عليها وجعل أبي ابن كعب رضى الله عنه إمامهم.
ويقال إن عمر ابن الخطاب حين شرّع بصلاة التراويح، أمر بإنارة المساجد وتزيينها بالقناديل بدءاً من أول أيام شهر رمضان؛ حتى يتمكن المسلمون من أداء صلاتهم وإحياء شعائرهم الدينية، وأيضاً حتى تستقبل المساجد الشهر الكريم وهي في أبهى حللها، وكان ذلك هو الشكل الأولي لزينة رمضان.
لكن هناك قول آخر، ذكره أحد علماء الأزهر الشريف في مصر، أحمد المالكي، بأن الخليفة علي ابن أبي طالب، رضى الله عنه، كان أول من زين المساجد بالأضواء في شهر رمضان، بصورة أقرب لما نراه الآن في وقتنا الحاضر.
وفي البداية كانت الجوامع تُضاء بالسروج البسيطة، التي هي عبارة عن وعاء يوضع فيه زيت له فتيل يشتعل بالنار، وبالتدريج تطورت حتى ظهرت القناديل المزخرفة والبلورية متقنة الصنع، وصولاً إلى الكهرباء في هذه الأيام.
وبمرور الزمان، كان لكل عصر سماته وعاداته الخاصة في تزيين المساجد والشوارع احتفالاً بشهر رمضان، ومن تلك العادات ما أصبح موروثاً ثقافياً متأصلاً ولا يزال يُتبع حتى يومنا هذا، ومنها ما اندثر وبات في طي النسيان.
هارون الرشيد والإكثار من المصابيح المزخرفة
استمر حال الاحتفال بشهر رمضان عن طريق إنارة المساجد بالمصابيح حتى تطور الأمر في عصر الدولة العباسية وبالتحديد في عهد الخليفة هارون الرشيد "170-193هـ"، حينما أمر بالإكثار من وضع المصابيح المزخرفة في المساجد خلال الشهر المبارك، وحث الناس على الإكثار من المصابيح أيضاً في هذا الشهر.
زينة رمضان في عهد الدولة الفاطمية
من المعروف أن الكثير من مظاهر الاحتفال بالمناسبات المختلفة بدأت في عصر الدولة الفاطمية، فالبتأكيد لن يفوتها أمر زينة رمضان وإضافة المزيد من الاحتفالات، ووفقاً للمؤرخ إبراهيم عناني، فإنه في عهد الفاطميين كان يُعهد للقضاة بالطواف على مساجد القاهرة -مقر الحكم- وباقي الأقاليم قبل حلول الشهر الكريم، لتفقد ما جرى من إصلاحات وفرش وتعليق السروج والقناديل في المساجد.
كما كانت تقام احتفالات شعبية ورسمية مع حلول شهر رمضان، وعند تحري الهلال يخرج الخليفة من باب الذهب، وهو أحد أبواب القصر الفاطمي، متحلياً بملابسه الفخمة، ويحيطه الوزراء ممتطين خيولاً ذات سروجاً مذهبة، ومن أمامهم الجنود.
وحتى تظهر الشوارع والطرقات في أبهى حللها، كان صانعو المعادن والصاغة يتبارون في إقامة أنواع زينة رمضان على حوانيتهم.
ليس هذا وحسب، بل كانت الدولة الفاطمية أيضاً تخصص أموالاً لشراء البخور الهندي والكافور؛ لصرفه للمساجد في شهر رمضان، كما كانت تُقام الأسواق التجارية، ومن بينها "سوق الشماعين" الذي يشهد رواجاً عظيماً لشراء الشموع الموكبية، والتي تزن الواحدة منها 10 أرطال، وكانت تُستخدم لإحياء الليالي الدينية عند المسلمين أو غيرهم، بحسب موقع ساسة بوست.
وعند الحديث عن مظاهر احتفالات الدولة الفاطمية بشهر رمضان، لا بد من ذكر "الفانوس" أيقونة الشهر الكريم، وعن نشأته تذكر إحدى الروايات أن المصريين كانوا في انتظار المعز لدين الله الفاطمي عند دخوله القاهرة، وأمرهم جوهر الصقلي، مؤسس المدينة وأحد أشهر القادة العسكريين الفاطميين، بأن يصطفوا في الطرقات التي يمر منها الخليفة ويضيئون الطريق.
وبالفعل خرج المصريون في موكب كبير اشترك فيه الرجال والنساء والأطفال للترحيب بالخليفة، حاملين المشاعل والفوانيس الملونة والزينات، وكان ذلك يتزامن مع شهر رمضان، وبينما أعجب الخليفة بهذا الاحتفاء، تحول الفانوس مع الوقت إلى عادة شعبية ورمز يعلن قدوم الشهر المبارك.
زينة رمضان في عصر المماليك والعثمانيين
لم يتخل المسلمون عن مظاهر الاحتفال بقدوم شهر رمضان مع رحيل الفاطميين، بل استمروا في إضاءة المساجد والشوارع بالقناديل في عصر المماليك والعثمانيين، حتى حلت محلها الكهرباء في عصرنا هذا.
وكانت المصابيح تُضاء مع الإفطار وتطفأ عند اقتراب آذان الفجر، حتى يمسك سكان البيوت الذين لا يسمعون الآذان عن الطعام والشراب ويبدأون الصيام.
وفي العهد العثماني، أمر السلطان أحمد الأول بإنارة الجوامع والمساجد احتفالاً بشهر رمضان، وكانت المصابيح والمشاعل تعتلي جوانب اسطنبول ومآذنها، حتى بدت المدينة وكأنها مرشوشة بالنجوم.
وماذا عن الخيامية؟
كثير ما نرى في شوارع مصر، أقمشة حمراء مزركشة بنقوش مبهجة وأشكال متعددة، يتم ترتيبها في خيوط أو حبال وتعليقها بجانب الفوانيس في الشوارع، احتفالاً بشهر رمضان في طقس أصيل تتفرد به مصر عن باقي البلدان، إنها الزينة المصنوعة من قماش الخيامية.
والخيامية، هي فن صناعة الخيام وتزيينها، وبعض المؤرخين يرجعون هذا الفن إلى عصر قدماء المصريين، لكنه ازدهر وارتبط بشهر رمضان خلال العصر الإسلامي، وبالتحديد في العهد المملوكي.
وفي القاهرة يوجد سوق الخيامية الذي تم بنائه في القرن الـ17، ويُعد السوق المغطى الوحيد المتبقي من أسواق القاهرة القديمة، ويقع بالقرب من باب زويلة الشهير.