العصر الذهبي للغة العربية
في ذروة العصر الذهبي للحضارة الإسلامية(هذه الفترة تمتد من منتصف القرن الثامن لغاية القرن الرابع عشر والخامس عشر الميلادي)، كانت اللغة العربية هي لغة العلم والشعر والأدب والحكم والفن. وفي هذه الفترة تم ترجمة الكثير من الكتب اليونانية والرومانية وغيرها من كتب العلوم والفلسفة والأدب القديمة إلى اللغة العربية، فاحتلت اللغة العربية مركز الصدارة في العالم القديم.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
يقول George Sarton في مقدمة (تاريخ العلم): من النصف الثاني من القرن الثامن وحتى نهاية القرن الحادي عشر، كانت اللغة العربية هي اللغة العلمية التقدمية للبشرية. وعندما أصبح الغرب ناضجًا لدرجة كافية، شعر بالحاجة إلى معرفة أعمق، فوجه انتباهه أولاً وقبل كل شيء، إلى اليونانية ولكن المصادر كانت العربية.
ونظراً لأهمية اللغة العربية في مختلف العلوم التي تعتبر مرجع أساسي في كافة أنحاء العالم، سلطنا الضوء على بعض الجوانب التي تجلت فيها اللغة العربية كلغة عالمية خلال العصر الذهبي للإبداع والابتكار في الحضارة الإسلامية.
1. اللغة العربية لغة العلم
في العصر الذهبي للابتكار منذ أكثر من 1000 عام، أوضحت وأظهرت اكتشافات وابتكارات وأبحاث وكتابات العلماء خلال فترة العصور الوسطى تعطشهم النهم للمعرفة، وبلغ هذا ذروته في وقت لعب فيه حكام بغداد دورًا رئيسيًا في حركة رائعة لجمع الكتب المترجمة إلى العربية لمختلف العلوم القديمة، من اليونان وروما والصين وبلاد فارس والهند وأفريقيا، وتم بناء مجموعة علمية وأكاديمية للعلوم وأصبحت بغداد مكانًا مليئًا بالعلماء والمترجمين المشهورين والمؤلفين ورجال الأدب والعلماء والمهنيين في مختلف الفنون والحرف اليدوية.
وقد كتب Brian Witaker في صحيفة الجارديان: "كان بيت الحكمة في بغداد مركزًا لا مثيل له لدراسة العلوم الإنسانية والعلوم عامة، بما في ذلك الرياضيات وعلم الفلك والطب والكيمياء وعلم الحيوان والجغرافيا، بالاعتماد على النصوص الفارسية والهندية واليونانية وغيرها، وجمع العلماء أكبر مجموعة من المعارف في العالم، والبناء عليه من خلال اكتشافاتهم الخاصة".
ونذكر من مشاهير العلماء في ذلك الوقت، ابن الهيثم والصوفي وابن سينا والرازي والخوارزمي والكندي والجاحظ، إنها ليست سوى أسماء قليلة لمن هم نتاج ذلك العصر الذهبي الإبداعي، والذين كان لعملهم تأثير دائم واضح على الأجيال القادمة.
2. اللغة العربية وعلم الفلك
علم الفلك هو أحد العلوم التي شهدت تقدمًا هائلاً خلال الحضارة الإسلامية. حيث قام علماء الفلك باكتشافات ترجع إلى حقبة زمنية كأول سجل لنظام نجمي خارج مجرتنا وثالث تفاوت في حركة القمر، وقد طوروا أدوات أرست الأساس لعلم الفلك الحديث.
عندما تمت ترجمة كتاب المجسطي لبطليموس إلى اللغة العربية في القرن التاسع، تم استخدام العديد من أوصاف النجوم باللغة العربية على نطاق واسع كأسماء للنجوم. وقد حافظت الإضافات التي وضعها العلماء العرب خلال العصر الذهبي والترجمات اللاحقة إلى اللاتينية على إعطاء أسماء عربية للنجوم، مازالت هذه الأسماء متداولة في الوقت الحاضر، فيوجد العديد من النجوم البارزة من أصل عربي لأنها تحمل الأسماء التي أعطيت لها في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية. فيوجد حوالي 156 نجماً ما زالت إلى الآن متداولة بأسمائها العربية.
3. اللغة العربية لغة الفن والجمال
أحد المجالات التي تم الاعتراف فيها بعبقرية الحضارة الإسلامية في جميع أنحاء العالم هو الفن. فقد قام فنانو العالم الإسلامي بتكييف إبداعاتهم لاستحضار معتقداتهم الداخلية في سلسلة من الأشكال المجردة، منتجين بعض الأعمال الفنية الرائعة. ويعد الخط العربي أحد أشكال الفن الزخرفي التي تم تطويرها على نطاق واسع في الثقافة الإسلامية، وهو يتكون من استخدام الحروف الفنية، جنبًا إلى جنب مع الأشكال الهندسية والطبيعية. ويرجع تطور الخط حسب ما أثبته الباحثين، إلى أهمية اللغة العربية في الإسلام والأهمية الكبيرة التي يوليها التقليد العربي للكتابة.
4. اللغة العربية لغة الشعر
كان الشعر شكلا قوياً وبليغاً من أشكال التعبير في التراث العربي. فلا يوجد في الحركة العلمية المكثفة في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية أي تضارب بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية، وكانت قوة اللغة قادرة بشكل مريح على التكيف مع طرق جديدة لاستخدامها لصالح البشرية. وبالتزامن مع إحياء العلوم المختلفة في ذلك الوقت، ازدهر موضوع جديد من الشعر العربي، ألفه العلماء لاستخدامه في مجال التعليم، مثل الطبيب الشهير ابن سينا (قصيدة ابن سينا الطبية)، والبحار الشهير ابن ماجد (أحمدُ بنِ ماجدٍ بنِ محمدٍ السيباوي هو ملاح وجغرافي عربي من جلفار، برع في الفلك والملاحة والجغرافيا، واشتهر في القرن العشرين بأنه من قاد ڤاسكو دا ڠاما إلى الهند. أطلق عليه البرتغاليون ومعناها أمير البحر، ويلقب بـمعلم بحر الهند). وفي الوقت نفسه، تناول الشعر العربي أيضًا الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية للعلوم كما في حالة الرعاية الطبية.
5. اللغة العربية لغة الأدب
اعتبر العرب لغتهم أداة مثالية للدقة والوضوح والبلاغة، كما يتضح من القرآن نفسه والروائع الأدبية الكثيرة. ومنذ أن تم اعتماد القرآن كمعيار ثابت، تراكمت مؤلفات ضخمة وغنية بشكل مدهش على مدى 1400 عام.
بالإضافة إلى الشعر، ازدهر النثر في عهد العباسيين. والجاحظ كان من رواد النثر الأصلي في ذلك الوقت (عاش في بغداد في القرن الثامن / التاسع)، وأصبح أحد المفكرين البارزين في تلك الفترة، وقد اشتهر بكتابه البخلاء الذي كان دراسة بارعة ومتعمقة لعلم النفس البشري. وهناك عدد لا يحصى من الكتاب والشعراء الآخرين المشهورين للغاية، كتبوا أعمالاً مؤثرة لا تزال قائمة حتى اليوم، مثل المتنبي والمعري وياقوت الحموي وبديع الزمان الهمذاني وابن حازم الأندلسي وابن طفيل وغيرهم الكثير، على سبيل المثال كان كتاب القانون في الطب لابن سينا موسوعة طبية تنقسم إلى خمس مجلدات ألفها العالم والطبيب والفيلسوف المسلم ابن سينا صدر عام 1020م، يعتبر الكتاب من المؤلفات المؤثرة والمعتمدة في مجال الطب في العالم حيث اعتُمِد كمرجعًا أساسيًا لتدريس الطب في الكثير من جامعات العالم حتى القرن الثامن عشر.
اليوم العالمي للغة العربية التابع لليونسكو
اتخذ المجلس التنفيذي لليونسكو خلال دورته 190 قرارًا بالاحتفال بيوم 18 ديسمبر من كل عام باعتباره اليوم العالمي للغة العربية. تهدف هذه المبادرة الجديدة، التي اقترحها كل من المغرب والمملكة العربية السعودية، إلى تعزيز التعددية اللغوية والتنوع الثقافي، فضلاً عن الاحتفاء بدور اللغة العربية وإسهامها في حماية ونشر الحضارة والثقافة الإنسانية. ويعترف القرار بالحاجة إلى تنفيذ تعاون على نطاق واسع بين الشعوب، من خلال التعددية اللغوية والتقارب الثقافي والحوار بين الحضارات.