ستونهنج: كشف سر الصوتيات المذهلة داخل الدائرة الحجرية
- تاريخ النشر: الإثنين، 17 فبراير 2025

يعد ستونهنج أحد أكثر المعالم الأثرية غموضًا وإثارة للدهشة في العالم، إذ تم بناؤه قبل حوالي 5000 عام على سهل سالزبوري في ويلتشير بإنجلترا. ومع تقدم الأبحاث الحديثة، لم تتراجع جاذبيته، بل ازداد الاهتمام به مع كل اكتشاف جديد يكشف لنا المزيد من أسراره.
تمكن العلماء من تحديد مصادر الأحجار المستخدمة في بناء الموقع، حيث استُخرجت الأحجار السارسنية محليًا، بينما جاءت بعض الأحجار الزرقاء من ويلز، أما الحجر المركزي المعروف بحجر المذبح، فقد تم جلبه من شمال شرق اسكتلندا. لكن الاكتشاف الأحدث، الذي أجرته جامعة سالفورد، يضيف بعدًا جديدًا لفهمنا لستونهنج، حيث تبين أنه لم يكن مجرد موقع فلكي، بل كان يتمتع أيضًا بخصائص صوتية مذهلة.
اكتشاف الخصائص الصوتية لستونهنج
خلال السنوات الأخيرة، عمل البروفيسور تريفور كوكس وفريقه من جامعة سالفورد على بناء نموذج مصغر لستونهنج بنسبة 1:12 من حجمه الحقيقي، بهدف دراسة تأثيرات الصوت داخل الدائرة الحجرية. استخدم الباحثون الطباعة ثلاثية الأبعاد والنمذجة الحاسوبية لمحاكاة الخصائص الصوتية للموقع، وكشفوا أن الأحجار كانت تعزز وتضخم الأصوات داخل الدائرة، بينما كانت تمنع تسربها إلى الخارج.
في دراسة نُشرت عام 2020 في مجلة العلوم الأثرية، وُجد أن الأحجار تسببت في ارتداد الصوت داخل الدائرة، مما أدى إلى تضخيمه وزيادة وضوحه لمن هم داخلها. ومنذ ذلك الحين، واصل العلماء أبحاثهم، حيث قاموا بإضافة عنصر جديد إلى المعادلة: تأثير وجود البشر داخل الدائرة الحجرية.
ستونهنج كغرفة صدى طبيعية
توصل كوكس وفريقه إلى أن ستونهنج كان بمثابة غرفة صدى طبيعية، حيث كان الصوت داخل الدائرة يرتفع بمقدار 4 ديسيبل، دون أن يُسمع لمن هم خارجها. لم يكن الصوت يتردد كالصدى التقليدي، بل كان يُضخم للحاضرين داخل الدائرة قبل أن يتلاشى بسرعة.
يعتقد الباحثون أن هذا التأثير الصوتي كان مقصودًا، مما يشير إلى أن ستونهنج ربما كان يُستخدم لإقامة طقوس دينية أو احتفالات سرية لمجموعة معينة من النخبة في العصور القديمة. كما تدعم هذه النظرية دراسات سابقة أشارت إلى أن الموقع كان محاطًا بسياج من الأشجار لتوفير مزيد من الخصوصية.
ستونهنج: مركز للاحتفالات والتجمعات
تُظهر هذه الاكتشافات أن ستونهنج لم يكن مجرد مرصد فلكي، بل كان مركزًا للطقوس والتجمعات، حيث توافد الناس من مختلف أنحاء بريطانيا القديمة للمشاركة في احتفالات خاصة. يشير الباحثون إلى أن وجود هذه الخصائص الصوتية كان جزءًا من التجربة الروحية التي عاشها زوار الموقع.
ومن المثير للاهتمام، أن هذا الكشف يعزز فرضيات سابقة حول أن ستونهنج كان يُستخدم لأغراض دينية أو سياسية، وربما كمنطقة مخصصة للصفوة من المجتمع القديم.
كيف يمكن للزوار تجربة الصوتيات القديمة؟
لا تزال ستونهنج واحدة من أكثر الوجهات السياحية شعبية في بريطانيا، حيث يتوافد عليها آلاف الزوار سنويًا لاستكشاف أسرارها. وللحصول على تجربة قريبة من التجربة القديمة، يُفضل زيارة الموقع خلال فترات الغروب أو خلال الانقلابات الشمسية، حيث يمكن تخيل كيف كانت الأصوات تتردد داخل الدائرة الحجرية قبل آلاف السنين.
وعلى الرغم من أن بعض الأحجار لم تعد موجودة في موقعها الأصلي، إلا أن الأبحاث الحديثة، مثل تلك التي أجراها كوكس وفريقه، تتيح لنا فهمًا أعمق لكيفية استخدام هذا النصب الأثري، ما يجعل ستونهنج أكثر غموضًا وإثارة مما كنا نظن.